السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَٱلۡإِيمَٰنَ لَقَدۡ لَبِثۡتُمۡ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡبَعۡثِۖ فَهَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡبَعۡثِ وَلَٰكِنَّكُمۡ كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (56)

ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم بقوله تعالى : { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان } وهم الملائكة والأنبياء والمؤمنين { لقد لبثتم في كتاب الله } أي : فيما كتب الله لكم في سابق علمه وقضائه ، أو في اللوح المحفوظ ، أو فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث فيكون في كتاب الله متعلق بلبثتم ، وقال مقاتل وقتادة : فيه تقديم وتأخيره معناه : وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان لقد لبثتم { إلى يوم البعث } و( في ) ترد بمعنى ( الباء ) فردّوا ما قال هؤلاء الكفار وحلفوا عليه وأطلعوهم على الحقيقة ، ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم { فهذا يوم البعث } الذي أنكرتموه ، وقراء نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الثاء المثلثة عند التاء المثناة ، والباقون بالإدغام .

تنبيه : سبب اختلاف الفريقين أنّ الموعود بوعد إذا ضرب له أجل إن علم أنّ مصيره إلى النار وهو الكافر يستقل مدّة اللبث ويختار تأخير الحشر والإبقاء في القبر ، وإن علم أنّ مصيره إلى الجنة وهو المؤمن فيستكثر المدة ولا يريد تأخيرها فيختلف الفريقان ، وفي هذه الفاء قولان : أظهرهما : أنها عاطفة هذه الجملة على لبثتم ، وقال الزمخشريّ : هي جواب شرط مقدّر أي : إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث أي : فقد تبين بطلان ما قلتم .

ولما كان التقدير قد أتى فقد تبين أنه كما كنا به عالمين فلو كان لكم نوع من العلم لصدقتمونا في إخبارنا به فنفعكم ذلك الآن ، عطف عليه قوله تعالى { ولكنكم كنتم } أي : كوناً هو كالجبلة لكم في إنكاركم له { لا تعلمون } أي : ليس لكم علم أصلاً لتفريطكم في طلب العلم من أبوابه والتوصل إليه بأسبابه فلذلك كذبتم به فاستوجبتم جزاء ذلك التكذيب اليوم .