اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَٱلۡإِيمَٰنَ لَقَدۡ لَبِثۡتُمۡ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡبَعۡثِۖ فَهَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡبَعۡثِ وَلَٰكِنَّكُمۡ كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (56)

ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم فقال : { وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله } أي فيما كتب الله لكم في سابق{[42261]} علمه في اللَّبث في القبور . وقيل : في كتاب الله في حُكْم الله{[42262]} أي فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث فيكون «في كتاب الله » متعلقاً «بلَبِثْتُم » وقال مقاتل وقتادة : فيه تقديم وتأخير{[42263]} معناه وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يَوْم البَعْثِ .

و «في » تَرِدُ بمعنى الباء [ و ] العامة على سكون عين «البَعْثِ » والحسن بفتحها{[42264]} ، وقرئ ، بكسرها{[42265]} ، فالمكسور اسم ، والمفتوح مصدر .

قوله : { فهذا يَوْمُ البعث } في الفاء قولان : أظهرهما : أنها عاطفة هذه الجملة على «لَقَدْ لَبِثْتُمْ »{[42266]} .

وقال الزمخشري هي جواب{[42267]} شرط مقدر كقوله :

4046 - فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا *** . . .

كأنه قيل : إن صحَّ ما قلتم إن «خراسان » أقصى ما يراد بكم وآن لنا أن نخلص وكذلك إن كنتم منكرين فهذا يوم البعث ، ويشير إلى البيت المشهور :

4047 - قالوا خُرَاسان أقْصَى ما يُرادُ بِنَا *** قُلْنَا القُفُول فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا{[42268]}

قوله : «لا تَعْلَمُونَ » أي البعث أي ما يراد بكم ( أو ) لا يقدر له مفعول أي لم يكونوا من أولي العلم وهو المَنْع{[42269]} .

فصل :

اعلم أن الموعود بوعد{[42270]} إذا ضرب له أجل يستقل المدة ويريد تأخيرها ، فالمجرم إذا حُشِرَ عَلِمَ أن مصيره ( إلى النار يستقل{[42271]} مدة اللَّبْثِ ويختار تأخير الحشر والإبقاء في الإبقاء ، والمؤمن إذا حُشِرَ عَلِمَ أن مصيره ) إلى الجنة فيستكثر المدة ولا يريد تأخيرها فيختلف الفريقان ويقول أحدهما : إن مدة لَبْثنا قليلٌ وإليه الإشارة بقوله : { وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث } ونحن صرنا إلى يوم البعث ، وهذا يوم البعث { ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وقوعه في الدنيا يعني أن طلبكم ( التأخير{[42272]} لأنكم كنتم لا تعلمون البعث ولا تعترفون به ، فصار مصيركم إلى النار فتطلبون التأخير ) ولا ينفعكم العلم به الآن .


[42261]:انظر المراجع السابقة.
[42262]:انظر المراجع السابقة.
[42263]:انظر المراجع السابقة.
[42264]:المحتسب 2/166 وهي من الشواذ.
[42265]:نقلها في البحر ولم يعزها إلى معين.
[42266]:هذا رأي أبي حيان في البحر، انظر البحر المحيط 7/180.
[42267]:انظر: الكشاف 3/227.
[42268]:البيت من البسيط وهو للعباس بن الأحنف والقفول: الرجوع إلى ديار الأهل والمعنى في التألم من فراق الأهل والصحب والأحبة. والشاهد فيه "فقد جئنا خراسانا" فالفاء هنا جواب الشرط مقدر على رأى الزمخشري والتقدير: فقلنا فقد جئنا وهلا أذنتم لنا بالرجوع تصديقاً لوعدكم إيانا، وفسر الآية بالبيت الكشاف 3/227 والأغاني 8/24. ودلائل الإعجاز 225، وديوانه 12.
[42269]:في "ب": "وهو أبلغ" وهوالصواب.
[42270]:في "ب" بوعيد؛ وهو خطأ وتحريف.
[42271]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[42272]:ما بين القوسين ساقط من "ب".