المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ} (80)

80- الذي خلق لكم من الشجر الأخضر - بعد جفافه ويبسه - ناراً{[195]} .


[195]:إن طاقة الشمس تنتقل جسم النبات بعملية التمثيل الضوئي، إذ تمتص خلاياه المحتوية على المادة الخضراء في النبات "الكلوروفيل" ثاني أكسيد الكربون من الجو، ويتفاعل هذا الغاز مع الماء الذي يمتصه النبات تنتج المواد "الكربوهيدراتية" بتأثير الطاقة المستمدة من ضوء الشمس، ومن ثم يتكون الخشب الذي يتركب أساسا من مركبات كيمائية محتوية على الكربون و "الهيدروجين" و "الأكسوجين"، ومن هذا الخشب يتكون الفحم النباتي المستعمل في الوقود، إذ بإحراق هذا الفحم تنطلق الطاقة المدخرة فيه وينتفع بها في الطهي والتدفئة والإنارة وتسخين الماء وفي كثير من الأغراض. وما الفحم الحجري الخشبي إلا نباتات وأشجار نشأت ونمت على النحو السابق وكبرت بفعل عملية التمثيل الضوئي أو الكلورفيل ثم دفئت بطريقة ما وتحولت بالتحلل الجزئي بعد مضي ملايين السنين إلى الفحم المذكور تحت تأثير فعل العوامل الجيولوجية كالحرارة أو الضغط وغيرها. ويجب أن يلاحظ أن لفظ الاخضرار في الآية ووصف الشجر بهذا اللون لم يكن عفوا، إنما هو إشارة إلى مادة الكلورفيل الأخضر اللازمة لتمثيل غاز ثاني أكسيد الكربون.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ} (80)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

الذي يخرج من الشجر الأخضر النار، فهو قادر على البعث.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة "الّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشّجَرِ الأخْضَر نارا "يقول: الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر نارا تُحْرق الشجر، لا يمتنع عليه فعل ما أراد، ولا يعجز عن إحياء العظام التي قد رَمّت، وإعادتها بشَرا سويا، وخلقا جديدا، كما بدأها أوّل مرّة...

قوله: "فإذَا أنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ" يقول: فإذا أنتم من الشجر توقدون النار...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

اختلف فيه،قال بعضهم: هو نوع من الشجر، يقال: المَرْخُ، كانوا يورون منه النار. وقيل: هو الزيتون الذي يُسرج منه. وتأويله: أن الشجر الأخضر، خضرته إنما تكون من الماء، والماء يطفئ النار، والنار تأكل الحطب والخشب. فمن قدر على الجمع بين المتضادين وحفظ كل واحد منهما عن صاحبه مما السبيل منها التنافر والتدافع فهو قادر على البعث، ولا يعجزه شيء.

وقال بعضهم: قوله: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون} هو أنشأ لكم من الشجر ما تتنزّهون به وتتلذّذون ما دام أخضر. فإذا أدرك، وبلغ، تنتفعون بثماره وفواكهه ثم يصير حطبا، توقدون منه النار، وتصطلون. فمن قدر على ما ذكرنا لا يُحتمل أن يُعجزه شيء. أو من فعل ما ذكر لا يحتمل أن يفعله عبثا باطلا.

فلو كان على ما قاله الكفرة: أن لا بعث، ولا نشور، كان فعل ذلك عبثا باطلا، والله أعلم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ووجهه هو أن الإنسان مشتمل على جسم يحس به وحياة سارية فيه، وهي كحرارة جارية فيه فإن استبعدتم وجود حرارة وحياة فيه فلا تستبعدوه، فإن النار في الشجر الأخضر الذي يقطر منه الماء أعجب وأغرب، وأنتم تحضرون حيث منه توقدون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان مآل هذا المثل الذي علق الإنكار فيه بالرميم استبعاد تمييز الشيء -إذا صار تراباً واختلط بالتراب- عن غيره من التراب، وصف نفسه المقدس بإخراج الشيء الذي هو أخفى ما يكون من ضده، وذلك بتمييز النار من الخشب الذي فيه الماء ظاهر بأيدي العجزة من خلقه، فقال معيداً للوصول تنبيهاً على التذكير بالموصوف؛ ليستحضر ما له من صفات الكمال، فيبادر إلى الخضوع له من كان حياً: {الذي جعل لكم} أي متاعاً واستبصاراً {من الشجر الأخضر} الذي تشاهدون فيه الماء.

{ناراً} بأن يأخذ أحدكم غصنين كالسواكين وهما أخضران يقطر منهما الماء فيسحق المرخ -وهو ذكر- على العفار -وهو أنثى- فتخرج النار! قال أبو حيان: وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس شجر إلا وفيه نار إلا العناب -انتهى.

ولذلك قالوا في المثل المشهور: في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار.

{فإذا أنتم} أي فيتسبب عن ذلك مفاجأتكم لأنكم.

{منه} أي الشجر الموصوف بالخضرة بعينه.

{توقدون} أي توجدون الإيقاد ويتجدد لكم ذلك مرة بعد أخرى، ما هو بخيال ولا سحر بل حقيقة ثابتة بينة، وكأنه قدم الجار لكثرة إيقادهم منه، إيقادهم من غيره لذلك ولعظمته عدماً.

ولما كان ذلك من غير كلفة عليهم، قدم الجار تخصيصاً له وعداً لغيره كالمعدوم، فالذي قدر على تمييز النار من الماء والخشب وخبء النار فيهما لا النار تعدو على الخشب فتحرقه، ولا الماء يعدو على النار فيطفئها، قادر على تمييز تراب العظام من تراب غيرها، ونفخ الروح كما نفخ روح النار في الحطب المضاد له بالمائية..

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

المشاهدة الأولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة! العجيبة التي يمرون عليها غافلين. عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء، يحتك بعضه ببعض فيولد ناراً؛ ثم يصير هو وقود النار. بعد اللدونة والاخضرار. والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه. والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. غير أننا لا نرى الأشياء بهذه العين المفتوحة ولا نتدبرها بذلك الحس الواعي. فلا تكشف لنا عن أسرارها المعجبة. ولا تدلنا على مبدع الوجود. ولو فتحنا لها قلوبنا لباحت لنا بأسرارها، ولعشنا معها في عبادة دائمة وتسبيح!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

بدل من {الذي أنشأها} [يس: 79] بدلاً مطابقاً، وإنما لم تعطف الصلة على الصلة فيكتفى بالعطف عن إعادة اسم الموصول؛ لأن في إعادة الموصول تأكيداً للأول واهتماماً بالثاني، حتى تستشرف نفس السامع لتلقّي ما يرِدُ بعده، فيفطن بما في هذا الخلق من الغرابة؛ إذ هو إيجاد الضد وهو نهاية الحرارة من ضده وهو الرطوبة. وهذا هو وجه وصف الشجر بالأخضر؛ إذ ليس المراد من الأخضر اللون، وإنما المراد لازمه وهو الرطوبة؛ لأن الشجر أخضر اللون ما دام حياً فإذا جفّ وزالت منه الحياة استحال لونه إلى الغُبرة فصارت الخضرة كناية عن رطوبة النبت وحياته.

ووصف الشجر وهو اسم جمع شجرة وهو مؤنث المعنى ب {الأخْضَرِ} بدون تأنيثٍ مراعاة للفظ الموصوف بخلوّه عن علامة تأنيث وهذه لغة أهل نجد، وأما أهل الحجاز فيقولون: شَجَر خضراء على اعتبار معنى الجمع، وقد جاء القرآن بهما في قوله {لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم} [الواقعة: 52_54].

والمفاجأة المستفادة مِن {فإذا أنتم منه تُوقِدُونَ} دالة على عجيب إلهام الله البشر لاستعمال الاقتداح بالشجر الأخضر واهتدائهم إلى خاصيته.

والإيقاد: إشعال النار يقال: أَوقد، ويقال: وَقَد بمعنى.

وجيء بالمسند فعلاً مضارعاً لإِفادة تكرر ذلك واستمراره.