فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ} (80)

{ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا } هذا رجوع منه سبحانه إلى تقرير ماتقدم من دفع استبعادهم فنبه سبحانه على وحدانيته ، ودل على قدرته على إحياء الموات بما يشاهدونه من إخراج النار المحرقة من العود الندي الرطب .

وذلك أن الشجر المعروف بالمرخ والشجر المعروف بالعفار إذا قطع منهما عودان مثل السواكين وضرب أحدهما على الآخر انقدحت منهما النار وهما أخضران ، قيل المرخ هو الذكر والعفار هو الأنثى ويسمى الأول الزند والثاني الزندة ، تقول العرب : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار ، أي استكثر منهما وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر نارا ، وقال الحكماء في كل شجر نار إلا العناب لمصلحة الدق للثياب ، ولذلك تتخذ منه مطارق القصارين .

وبالجملة فمن بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به ، فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر ، وإجراء أحد الضدين على الآخر بالتعقيب أسهل في العقل من الجمع معا بلا ترتيب ، وقال الأخضر ، ولم يقل الخضر اعتبارا باللفظ ، وقرئ الخضر اعتبارا بالمعنى .

وقد تقرر : أنه يجوز تذكير اسم الجنس وتأنيثه ، كما في قوله : { نخل منقعر } وقوله : { نخل خاوية } فبنو تميم ونجد يذكرونه ، وأهل الحجاز يؤنثونه إلا نادرا ، والموصول بدل من الموصول الأول .

{ فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ } أي تقدحون منه النار وتوقدونها من ذلك الشجر الأخضر