المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

20- ويقول هؤلاء المشركون : هلا أنزل على محمد معجزة من عند الله غير القرآن ، تقنعنا بصدق رسالته ؟ فقل لهم - أيها الرسول - : إن نزول الآيات غيب ، ولا أحد يعلم الغيب إلا الله ، وإن كان القرآن لا يقنعكم فانتظروا قضاء الله بيني وبينكم فيما تجحدونه ، إني معكم من المنتظرين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

1

وبعد هذا التعقيب يمضي في الاستعراض لما يقول المستخلفون :

( ويقولون : لولا أنزل عليه آية من ربه ! فقل : إنما الغيب لله ، فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) .

فكل الآيات التي يحتويها هذا الكتاب العظيم المعجز لا تكفيهم . وكل آيات الله المبثوثة في تضاعيف الكون لا تكفيهم . وهم يقترحون خارقة كخوارق الرسل في الأمم قبلهم . غير مدركين طبيعة الرسالة المحمدية . وطبيعة معجزتها . فهي ليست معجزة وقتية تنتهي بمشاهدة جيل ، إنما هي المعجزة الدائمة التي تخاطب القلب والعقل في جيل بعد جيل .

ويوجه الله رسوله أن يحيلهم على الله الذي يعلم ما في غيبه ، ويقدر إن كان سيبرز لهم خارقة أو لا يبرز :

( فقل : إنما الغيب لله . فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) . .

وهو جواب في طيه الإمهال وفي طيه التهديد . . وفي طيه بعد ذلك بيان حدود العبودية في جانب الألوهية . فإن محمدا [ ص ] وهو أعظم الأنبياء المرسلين ، لا يملك من أمر الغيب شيئا ، فالغيب كله لله . ولا يملك من أمر الناس شيئا ، فأمرهم موكول إلى الله . . وهكذا يتحدد مقام العبودية في جانب مقام الألوهية ، ويخط خط بارز فاصل بين الحقيقتين لا شبهة بعده ولا ريبة

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

عطف على جملة : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم } [ يونس : 18 ] ، فبعد أن ذكر افتراءهم في جانب الإلهية نفى بهتانهم في جانب النبوءة .

والضمير في { عليه } عائد للنبيء صلى الله عليه وسلم وإن لم يجر له ذكر قبل ذلك في الآية ، فإن معرفة المراد من الضمير مغنية عن ذكر المعاد . وقد كان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بينهم في نواديهم ومناجاتهم في أيام مُقامه بينهم بعد البعثة هو شغلهم الشاغل لهم ، قد أجرى في كلامهم ضمير الغيبة بدون سبق معاد ، علم المتخاطبون أنه المقصود . ونظير هذا كثير في القرآن .

و ( لولا ) في قوله : { لولا أنزل عليه آية من ربه } حرف تحْضيض ، وشأن التحْضيض أن يواجه به المحضض لأن التحضيضَ من الطلب وشأنُ الطلب أن يواجَه به المطلوب ، ولذلك كان تعلق فعل الإنزال بضمير الغائب في هذه الآية مُؤولاً بأحد وجهين :

إما أن يكون التفاتاً ، وأصل الكلام : لولا أنزل عليكَ ، وهو من حكاية القول بالمعنى كقوله تعالى : { قل لعبادي الذين آمنوا يُقيموا الصلاة } [ إبراهيم : 31 ] أي قل لهم أقيموا ، ونكتة ذلك نكتة الالتفات لتجديد نشاط السامع .

وإما أن يكون هذا القول صدر منهم فيما بينهم ليبين بعضُهم لبعض شبهة على انتفاء رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو صدر منهم للمسلمين طمعاً في أن يردوهم إلى الكفر .

والآيةُ : علامة الصدق . وأرادوا خارقاً للعادة على حسب اقتراحهم مثل قولهم : { أو ترقى في السماء } [ الإسراء : 93 ] وقولهم : { لولا أوتي مثلَ ما أوتي موسى } [ القصص : 48 ] وهذا من جهلهم بحقائق الأشياء وتحكيمهم الخيال والوهَم في حقائق الأشياء ، فهم يفرضون أن الله حريص على إظهار صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه يستفزّه تكذيبهم إياه فيغضب ويسرع في مجاراة عنادهم ليكفوا عنه ، فإن لم يفعل فقد أفحموه وأعجزوه وهو القادر ، فتوهموا أن مدعي الرسالة عنه غير صادق في دعواه وما دَرَوا أن الله قَدر نظام الأمور تقديراً ، ووضع الحقائق وأسبابها ، وأجرى الحوادث على النظام الذي قدره ، وجعل الأمور بالغة مواقيتها التي حدد لها ، ولا يضره أن يُكذّب المكذّبون أو يعاند الجاهلون وقد وضع لهم ما يليق بهم من الزواجر في الآخرة لا محالة ، وفي الدنيا تارات ، كل ذلك يجري على نُظم اقتضتها الحكمةُ لا يحمله على تبديلها سُؤال سائل ولا تسفيه سفيه . وهو الحكيم العليم .

فهم جعلوا استمرار الرسول صلى الله عليه وسلم على دعوتهم بالأدلة التي أمره الله أن يدعوهم بها وعدم تبديله ذلك بآيات أخرى على حسب رغبتهم جعلوا كل ذلك دليلاً على أنه غير مؤيد من الله فاستدلوا بذلك على انتفاء أن يكون الله أرسله ، لأنه لو أرسله لأيَّده بما يوجب له القبول عند المرسَل إليهم .

وما درى المساكين أن الله إنما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة بهم وطلباً لصلاحهم ، وأنه لا يضره عدم قبولهم رحمته وهدايته . ولذلك أتَى في حكاية كلامهم العدولُ عن اسم الجلالة إلى لفظ الرب المضاف إلى ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : { من ربه } إيماء إلى الربوبية الخاصة بالتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وهي ربوبية المصطفي ( بصيغة اسم الفاعل ) للمصطفى ( بصيغة المفعول ) من بين بقية الخلق المقتضية الغضب لغضبه لتوهمهم أن غضب الله مثل غضب الخلائق يستدعي الإسراع إلى الانتقام وما علموا أسرار الحكمة الإلهية والحكم الإلهي والعلم الأعلى .

وقد أمر الله رسوله بأن يجيب عن اقتراحهم بما هو الحقيقة المرشدة وإن كانت أعلى من مداركهم جواباً فيه تعريض بالتهديد لهم وهو قوله : { فقل إنما الغيبُ لله } ، فجاء بفاء التفريع هنا دون بعض نظائره للإشارة إلى تعقيب كلامهم بالجواب شأن المتمكن من حاله المتثبت في أمره .

والغيب : ما غاب عن حواس الناس من الأشياء ، والمراد به هنا ما يتكون من مخلوقات غير معتادة في العالم الدنيوي من المعجزات . وتفسير هذا قوله : { قل إنما الآيات عند الله } [ الأنعام : 109 ] .

واللام للملك ، أي الأمور المغيبة لا يقدر عليها إلا الله . وجاء الكلام بصيغة القصر للرد عليهم في اعتقادهم أن في مكنة الرسول الحق أن يأتي بما يسأله قومُه من الخوارق ، فجعلوا عدم وقوع مقترحهم علامة على أنه ليس برسول من الله ، فلذلك رد عليهم بصيغة القصر الدالة على أن الرسول ليس له تصرف في إيقاع ما سألوه ليعلموا أنهم يرمون بسُؤالهم إلى الجراءة على الله تعالى بالإفحام .

وجملة : { فانتظروا إني معكم من المنتظرين } تفريع على جملة : { إنما الغيب لله } أي ليس دأبي ودأبكم إلاّ انتظار ما يأتي به الله إن شاء ، كقول نوح لقومه : { إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين } [ هود : 33 ] .

وهذا تعريض بالتهديد لهم أن ما يأتي به الله لا يترقبون منه إلا شراً لهم ، كقوله تعالى : { وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقُضي الأمر ثم لا ينظرون } [ الأنعام : 8 ] .

والمعية في قوله : { معكم } مجازية مستعملة في الإشراك في مطلق الانتظار .