مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

قوله تعالى { ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين }

اعلم أن هذا الكلام هو النوع الرابع من شبهات القوم في إنكارهم نبوته ، وذلك أنهم . قالوا : إن القرآن الذي جئتنا به كتاب مشتمل على أنواع من الكلمات ، والكتاب لا يكون معجزا ، ألا ترى أن كتاب موسى وعيسى ما كان معجزة لهما ، بل كان لهما أنواع من المعجزات دلت على نبوتهما سوى الكتاب . وأيضا فقد كان فيهم من يدعي إمكان المعارضة ، كما أخبر الله تعالى أنهم قالوا : { لو شئنا لقلنا مثل هذا } وإذا كان الأمر كذلك لا جرم طلبوا منه شيئا آخر سوى القرآن ، ليكون معجزة له ، فحكى الله تعالى عنهم ذلك بقوله : { ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه } فأمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يقول عند هذا السؤال { إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين } .

واعلم أن الوجه في تقرير هذا الجواب أن يقال : أقام الدلالة القاهرة على أن ظهور القرآن عليه معجزة قاهرة ظاهرة . لأنه عليه الصلاة والسلام بين أنه نشأ فيما بينهم وتربى عندهم ، وما كان مشتغلا بالفكر والتعلم قط ، ثم إنه دفعة واحدة ظهر هذا القرآن العظيم عليه ، وظهور مثل هذا الكتاب الشريف العالي ، على مثل ذلك الإنسان الذي لم يتفق له شيء من أسباب التعلم ، لا يكون إلا بالوحي . فهذا برهان قاهر على أن القرآن معجز قاهر ظاهر ، وإذا ثبت هذا كان طلب آية أخرى سوى القرآن من الاقتراحات التي لا حاجة إليها في إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام ، وتقرير رسالته ، ومثل هذا يكون مفوضا إلى مشيئة الله تعالى ، فإن شاء أظهرها ، وإن شاء لم يظهرها ، فكان ذلك من باب الغيب ، فوجب على كل أحد أن ينتظر أنه هل يفعله الله أم لا ؟ ولكن سواء فعل أو لم يفعل ، فقد ثبتت النبوة ، وظهر صدقه في ادعاء الرسالة ، ولا يختلف هذا المقصود بحصول تلك الزيادة وبعدمها ، فظهر أن هذا الوجه جواب ظاهر في تقرير هذا المطلوب .