البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

هذا من اقتراحهم .

قال الزمخشري : وكانوا لا يعتدون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها ، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة في الآيات ، دقيقة المسلك من بين المعجزات .

وجعلوا نزولها كلا نزول ، فكأنه لم ينزل عليه قط حتى قالوا : لولا أنزل عليه آية واحدة من ربه ، وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرد وإنهماكهم في الغي فقل : إنما الغيب لله أي : هو المختص بعلم الغيب المستأثر به ، لا علم لي ولا لأحدٍ به .

يعني : أنّ الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو سبحانه ، فانتظروا نزول ما اقترحتموه إني معكم من المنتظرين بما يفعل الله تعالى بكم لعنادكم وجحدكم الآيات .

وقال ابن عطية : آية من ربه ، آية تضطر الناس إلى الإيمان ، وهذا النوع من الآيات لم يأت بها نبي قط ، ولا من المعجزات اضطرارية ، وإنما هي معرضة النظر ليهتدي قوم ويضل آخرون ، فقل : إنما الغيب لله إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ، لا يطلع على غيبه في ذلك أحد .

وقوله : فانتظروا ، وعيد وقد صدقه الله تعالى بنصرته محمداً صلى الله عليه وسلم .

وقيل : الآية التي اقترحوا أن ينزل ما تضمنه قوله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا } الآية وقيل : آية كآية موسى وعيسى كالعصا واليد البيضاء ، وإحياء الموتى ، طلبوا ذلك على سبيل التعنت .