في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

1

وبعد هذا التعقيب يمضي في الاستعراض لما يقول المستخلفون :

( ويقولون : لولا أنزل عليه آية من ربه ! فقل : إنما الغيب لله ، فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) .

فكل الآيات التي يحتويها هذا الكتاب العظيم المعجز لا تكفيهم . وكل آيات الله المبثوثة في تضاعيف الكون لا تكفيهم . وهم يقترحون خارقة كخوارق الرسل في الأمم قبلهم . غير مدركين طبيعة الرسالة المحمدية . وطبيعة معجزتها . فهي ليست معجزة وقتية تنتهي بمشاهدة جيل ، إنما هي المعجزة الدائمة التي تخاطب القلب والعقل في جيل بعد جيل .

ويوجه الله رسوله أن يحيلهم على الله الذي يعلم ما في غيبه ، ويقدر إن كان سيبرز لهم خارقة أو لا يبرز :

( فقل : إنما الغيب لله . فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) . .

وهو جواب في طيه الإمهال وفي طيه التهديد . . وفي طيه بعد ذلك بيان حدود العبودية في جانب الألوهية . فإن محمدا [ ص ] وهو أعظم الأنبياء المرسلين ، لا يملك من أمر الغيب شيئا ، فالغيب كله لله . ولا يملك من أمر الناس شيئا ، فأمرهم موكول إلى الله . . وهكذا يتحدد مقام العبودية في جانب مقام الألوهية ، ويخط خط بارز فاصل بين الحقيقتين لا شبهة بعده ولا ريبة