المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

34- واحفظن ما يقرأ في بيوتكن من آيات القرآن التي أنزلها الله ، وما ينطق به رسول الله من الحكم السديد . إن الله كان عالما بغوامض الأشياء وحقائقها ، فاحذرن مخالفته ومعصية رسوله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

28

ويختم هذه التوجيهات لنساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بمثل ما بدأها به . . بتذكيرهن بعلو مكانتهن ، وامتيازهن على النساء ، بمكانهن من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وبما أنعم الله عليهن فجعل بيوتهن مهبط القرآن ومنزل الحكمة ، ومشرق النور والهدى والإيمان :

( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة . إن الله كان لطيفا خبيرا ) . .

وإنه لحظ عظيم يكفي التذكير به ، لتحس النفس جلالة قدره ، ولطيف صنع الله فيه ، وجزالة النعمة التي لا يعدلها نعيم .

وهذا التذكير يجيء كذلك في ختام الخطاب الذي بدأ بتخيير نساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بين متاع الحياة الدنيا وزينتها ، وإيثار الله ورسوله والدار الآخرة . فتبدو جزالة النعمة التي ميزهن الله بها ؛ وضآلة الحياة الدنيا بمتاعها كله وزينتها . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

لما ضمِن الله لهن العظمة أمرهن بالتحلي بأسبابها والتملّي من آثارها والتزود من علم الشريعة بدراسة القرآن ليجمع ذلك اهتداءَهن في أنفسهن ازدياداً في الكمال والعلم ، وإرشادَهن الأمة إلى ما فيه صلاح لها من علم النبي صلى الله عليه وسلم .

وفعل { اذْكُرن } يجوز أن يكون من الذُّكر بضم الذال وهو التذكّر ، وهذه كلمة جامعة تشمل المعنى الصريح منه ، وهو أن لا ينسَيْن ما جاء في القرآن ولا يغفلن عن العمل به ، ويشمل المعنى الكنائي وهو أن يراد مراعاة العمل بما يتلى في بيوتهن مما ينزل فيها وما يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، وما يبيّن فيها من الدين ، ويشمل معنى كنائياً ثانياً وهو تذكر تلك النعمة العظيمة أَن كانت بيوتهن موقع تلاوة القرآن .

ويجوز أن يكون من الذِّكر بكسر الذال ، وهو إجراء الكلام على اللسان ، أي بلّغْنَه للناس بأن يقرأن القرآن ويبلغن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته . وفيه كناية عن العمل به . والتلاوة : القراءة ، أي إعادة كلام مكتوب أو محفوظ ، أي ما يتلوه الرسول صلى الله عليه وسلم و { من آيات الله والحكمة } بيان لما يتلى فكل ذلك متلوّ ، وذلك القرآن ، وقد بين المتلو بشيئين : هما آيات الله ، والحكمة ، فآيات الله يعم القرآن كلَّه ، لأنه معجز عن معارضته فكان آية على أنه من عند الله .

وعطف { والحكمة } عطف خاص على عام وهو ما كان من القرآن مواعظ وأحكاماً شرعية ، قال تعالى بعد ذكر الأحكام التي في سورة الإِسراء ( 39 ) { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة } أي ما يتلى في بيوتهن عند نزوله ، أو بقراءة النبي ودراستهن القرآن ، ليتجدد ما علِمْنه ويلمع لهن من أنواره ما هو مكنون لا ينضُب معينه ، وليكُنّ مشاركاتٍ في تبليغ القرآن وتواتره ، ولم يزل أصحاب رسول الله والتابعون بعدهم يرجعون إلى أمهات المؤمنين في كثير من أحكام النساء ومن أحكام الرجل مع أهله ، كما في قوله تعالى : { اذكرني عند ربك } [ يوسف : 42 ] ، أي بلغ خبر سجني وبقائي فيه .

وموقع مادة الذكر هنا موقع شريف لتحملها هذه المحامل ما لا يتحمله غيرها إلا بإطناب . قال ابن العربي : إن الله تعالى أمر نبيئه عليه الصلاة والسّلام بتبليغ ما أنزل إليه فكان إذا قرأ على واحد أو ما اتفق سقط عنه الفرض ، وكان على من تبعه أن يبلغه إلى غيره ولا يلزمه أن يذكره لجميع الصحابة .

وقد تكرر ذكر الحكمة في القرآن في مواضع كثيرة ، وبيّنّاه في سورة البقرة .

وتقدم قريباً اختلاف القراء في كسر باء ( بيوت ) أو ضمها .

وجملة { إن الله كان لطيفاً خبيراً } تعليل للأمر وتذييل للجمل السابقة .

والتعليل صالح لمحامل الأمرِ كلها لأن اللطف يقتضي إسداء النفع بكيفية لا تشقّ على المُسدَى إليه .

وفيما وُجّه إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر والنهي ما هو صلاح لهن وإجراء للخير بواسطتهن ، وكذلك في تيسيره إياهن لمعاشرة الرسول عليه الصلاة والسلام وجعلهن أهل بيوته ، وفي إعدادهن لسماع القرآن وفهمه ، ومشاهدة الهدي النبوي ، كل ذلك لطف لهن هو الباعث على ما وجهه إليهن من الخطاب ليتلقّيْن الخبرَ ويبلغنه ، ولأن الخبير ، أي العليم إذا أراد أن يُذهب عنهن الرجس ويطهرهن حصل مراده تاماً لا خلل ولا غفلة .

فمعنى الجملة أنه تعالى موصوف باللطف والعلم كما دلّ عليه فعل { كان } فيشمل عمومُ لطفِه وعلمِه لطفَه بهن وعلمَه بما فيه نفعهن .