المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ} (7)

7- وقال الكفار بعضهم لبعض - استهزاء بخبر البعث - : هل ندلكم على رجل يُحدثكم أنكم إذا متم وفُرِّقت أجسامكم كل تفريق أنكم لتبعثون في خلق جديد ؟

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ} (7)

وبعد هذه اللمسة الموقظة الموجهة يستأنف حكاية حديثهم عن البعث ، ودهشتهم البالغة لهذا الأمر ، الذي يرونه عجيباً غريباً ، لا يتحدث به إلا من أصابه طائف من الجن ، فهو يتفوه بكل غريب عجيب ، أو يفتري الكذب ويقول بما لا يمكن أن يكون .

( وقال الذين كفروا : هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ! أفترى على الله كذباً أم به جنة ? بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) . .

إلى هذا الحد من الاستغراب والدهش كانوا يقابلون قضية البعث . فيعجبون الناس من أمر القائل بها في أسلوب حاد من التهكم والتشهير : ( هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ? )هل ندلكم على رجل عجيب غريب ، ينطق بقول مستنكر بعيد ، حتى ليقول : إنكم بعد الموت والبلى والتمزق الشديد تخلقون من جديد ، وتعودون للوجود ? !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ} (7)

انتقال إلى قولة أخرى من شناعة أهل الشرك معطوفة على { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة } [ سبأ : 3 ] . وهذا القول قائم مقام الاستدلال على القول الأول لأن قولهم { لا تأتينا الساعة } دعوى وقولهم : { هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد } مستنَد تلك الدعوى ، ولذلك حكي بمثل الأسلوب الذي حكيت به الدعوى في المسند والمسند إليه .

وأدمجوا في الاستدلال التعجيب من الذي يأتي بنقيض دليلهم ، ثم إرداف ذلك التعجيب بالطعن في المتعجَّب به .

والمخاطب بقولهم : { هل ندلكم } غير مذكور لأن المقصود في الآية الاعتبار بشناعة القول ، ولا غرض يتعلق بالمقول لهم . فيجوز أن يكون قولهم هذا تقاولاً بينهم ، أو يقوله بعضهم لبعض ، أو يقوله كبراؤهم لعامتهم ودهمائهم . ويجوز أن يكون قول كفار مكة للواردين عليهم في الموسم . وهذا الذي يؤذن به فعل { ندلكم } من أنه خطاب لمن لم يبلغهم قول النبي صلى الله عليه وسلم .

والاستفهام مستعمل في العرض مثل قوله تعالى : { فقل هل لك إلى أن تزكى } [ النازعات : 18 ] وهو عرض مكنّى به عن التعجيب ، أي هل ندلكم على أعجوبة من رجل ينبئكم بهذا النبأ المحال .

والمعنى : تسمعون منه ما سمعناه منه فتعرفوا عذرنا في مناصبته العداء . وقد كان المشركون هَيأوا ما يكون جواباً للذين يردون عليهم في الموسم من قبائل العرب يتساءلون عن خبر هذا الذي ظهر فيهم يدعي أنه رسول من الله إلى الناس ، وعن الوحي الذي يُبلغه عن الله كما ورد في خبر الوليد بن المغيرة إذ قال لقريش : إنه قد حضر هذا الموسمُ وأن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأَجْمِعوا فيه رأيا واحداً ولا تختلفوا فيكذِّب بعضكُم بعضاً ويردّ قولُكم بعضه بعضاً ، فقالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقُل وأقم لنا رأياً نقول به . قال : بل أنتم قولوا أسمعْ ، قالوا : نقول كاهن ؟ قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأيْنا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا بسجعه . قالوا : فنقول مجنون ؟ قال : ما هو بمجنون لقد رأينا الجُنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخلجه ولا وسوسته ، قالوا : فنقول شاعر ؟ قال : لقد عرفنا الشعر كله فما هو بالشعر ، فقالوا : فنقول ساحر ؟ قال : ما هو بنفثه ولا عَقده ، قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : إن أقرب القول فيه أن تقولوا : ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرّق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته .

فلعل المشركين كانوا يستقبلون الواردين على مكة بهاته المقالة { هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد } طمعاً منهم بأنها تصرف الناس عن النظر في الدعوة تلبساً باستحالة هذا الخَلْق الجديد .