البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ} (7)

المزق : خرق الشيء ، قال : منه ثوب ممزوق ومزيق ومتمزق وممزق ، إذا صار قطعا بالياً ، ومنه قول العبدي :

فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل *** وإلاّ فأدركني ولما أمزق

{ وقال الذين كفروا } : هم قريش ، قال بعضهم لبعض على جهة التعجب والاستهزاء ، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه : هل أدلك على قصة غريبة نادرة ؟ لما كان البعث عندهم من المحال ، جعلوا من يخبر عن وقوعه في حيز من يتعجب منه ، وأتوا باسمه ، عليه السلام ، نكرة في قوله : { هل ندلكم على رجل } ؟ وكان اسمه أشهر علم في قريش ، بل في الدنيا ، وإخباره بالبعث أشهر خبر ، لأنهم أخرجوا ذلك مخرج الاستهزاء والتحلي ببعض الأحاجي المعمولة للتلهي والتعمية ، فلذلك نكروا اسمه .

وقرأ الجمهور : { ينبئكم } بالهمز ؛ وزيد بن علي : بإبدال الهمزة ياء محضة .

وحكى عنه الزمخشري : ينبئكم ، بالهمز من أنبأ ، وإذا جوابها محذوف تقديره : تبعثون ، وحذف لدلالة ما بعده عليه ، وهو العامل إذا ، على قول الجمهور .

وقال الزجاج ذلك ، وقال أيضاً هو والنحاس : العامل { مزقتم } .

قال ابن عطية : هو خطأ وإفساد للمعنى .

وليس بخطأ ولا إفساد للمعنى ، وإذا الشرطية مختلف في العامل فيها ، وقد بينا ما كتبناه في ( شرح التسهيل ) أن الصحيح أن يعمل فيها فعل الشرط ، كسائر أدوات الشرط .

والجملة الشرطية يحتمل أن تكون معمولة لينبئكم ، لأنه في معنى يقول لكم : { إذا مزقتم كل ممزق } ، ثم أكد ذلك بقوله : { إنكم لفي خلق جديد } .

ويحتمل أن يكون : { إنكم لفي خلق جديد } معمولاً لينبئكم ، ينبئكم متعلق ، ولولا اللام في خبر إن لكانت مفتوحة ، فالجملة سدت مسد المفعولين .

والجملة الشرطية على هذا التقدير اعتراض ، وقد منع قوم التعليق في باب أعلم ، والصحيح جوازه .

قال الشاعر :

حذار فقد نبئت أنك للذي *** ستنجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى

وممزق مصدر جاء على زنة اسم المفعول ، على القياس في اسم المصدر من كل فعل زائد على الثلاثة ، كقوله :

ألم تعلم بمسرحي القوافي *** فلا عيابهن ولا اجتلابا

أي : تسريحي القوافي .

وأجاز الزمخشري أن يكون ظرف مكان ، أي إذا مزقتم في مكان من القبور وبطون الطير والسباع ، وما ذهبت به السيول كل مذهب ، وما نسفته الرياح فطرحته كل مطرح . انتهى .

و { جديد } ، عند البصريين ، بمعنى فاعل ، تقول : جد فهو جاد وجديد ، وبمعنى مفعول عند الكوفيين من جده إذا قطعه .