قوله : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ } لما بين حالة المكذب بالساعة ورد عليه بقوله : { قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } [ سبأ : 3 ] ثم بين ما يكون بعد إتيانها من جزاء المؤمن على عمله الصالح وجزاء الساعي في تكذيب الآيات بالتعذيب على السيئات وبين حال الكافر والمؤمن بعد قوله عليه ( الصلاة{[44118]} و ) السلام- «بَلَى وَرَبِّي لَتَأتِيَنَّكُمْ » فقال المؤمن الذي أنزل إليك من ربك الحق وهو يهدي وقال الكافر المنكر للبعث متعجباً : { هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } يخبركم يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم - وهذا كقول القائل في الاستبعاد : جاء رجل يقول : إنَّ الشمسَ تَطْلُعُ من المَغْرِب ؛ إلى غير ذلك من المحاولات{[44119]} .
إذَا مُزِّقْتُم «إذا » منصوب بمقدر أي تُبْعَثُون وتُحْشَرُون وَقْتَ تمزيقكم لدلالة : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } عليه ولا يجوز أن يكون العامل «يُنَبِّئُكُمْ » لأن التنْبئَة لم تقع ذلك الوقت ولا «خَلْقٍ جَدِيدٍ » لأن ما بعد «إنَّ » لا يعمل فيما قبلها{[44120]} . ومن توسع في الظرف أجازه هذا إذا جعلنا «إذَا » ظَرفاً محضاً ، فإن جعلناه شرطاً كان جوابها مقدراً أي تبعثون وهو العامل في «إذَا » عند جمهور{[44121]} النحاة . وجوَّز الزجاج أن تكون معمولة لمُزِّقتُهْم{[44122]} ، وجعله ابن عطية خطأ وإفساداً للمعنى{[44123]} ، قال أبو حيان : وليس بخطأٍ ولا إفساد{[44124]} .
وقد اختلف في العامل في «إذا » الشرطية ، والصحيح أن العامل فيها فعلُ الشرط كأخواتها من أسماء الشرط{[44125]} . وقال شهاب الدين : والجمهور على خلافِهِ{[44126]} ، ثم قال أبو حيان : والجملة الشرطية تحتمل أن تكون معمولة «لِيُنَبِّئُكُمْ » لأنه في معنى : يقول لكم إذا مزقتم{[44127]} تُبْعَثُونَ ، ثم أكد ذلك بقوله : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } ويحتمل أن يكون : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ }{[44128]} معلقاً «لِيُنَبِّئُكُمْ » سادًّا مسد المفعولين ولولا اللام لفتحت «أن » وعلى هذا فجملة الشرط اعتراض ، وقد مَنَعَ قوم التعليقَ في «اعلم » وبابها والصحيح جوازه{[44129]} ، قال :
4108- حَذَارِ فَقَدْ نُبِّئْتَ إنَّكَ لَلَّذِي . . . سَتُجْزَى بِمَا تَسْعَى فَتَسْعَد أو تَشْقَى{[44130]}
وقرأ زيْدُ بْنُ عليِّ بإبدال الهمزة ياء ، {[44131]} وعنه يُنْبِئُكُمْ مِنْ «أَنْبَأَ » كأكْرَمَ{[44132]} و «مُمَزَّق » فيه وجهان :
أحدهما : أنه اسم «مصدر »{[44133]} وهو قياس كلّ ما زاد على الثلاث أن يجئ مصدره وزمانه ومكانه على زنة اسم مفعوله أي كُلَّ تَمْزِيقِ{[44134]} .
والثاني : أنه ظرف مكان ، قاله الزمخشري{[44135]} ، أي كل تمزيق{[44136]} من القبور وبطون الوحش والطير ، ومن مجئ مُفَعَّل مجيء التَّفْعِيل قوله :
4109- ألَمْ تَعْلَمِي مُسَرِّحِي القَوافي . . . فَلاَ عيَّا بِهِنَّ وَلاَ اجْتلاَبَا{[44137]}
أي تسريحي ، والتمزيق التخريق والتقطيع ، يقال ثَوبٌ مُمَزَّقٌ ومَمْزوقٌ ويقال : مزَّقَهُ فهو مَازِقٌ ومَزِقٌ{[44138]} أيضاً قال :
4110- أتَانِي أَنَّهُمْ مَزِقُونَ عِرْضِي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[44139]} . . . .
وقال الممزق العبدي- وبه سمي المُمَزَّقُ- :
4111- فَإن كُنْتُ مَأكُولاً فَكُنْ خَيْرَ آكِلِ . . . وَإلاَّ فَأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ{[44140]}
أي ولما أبْلَى وأَفْنَى{[44141]} ، و «جَدِيد » عند البصريين بمعنى فاعل يقال : جَدَّ الشَّيْءُ فَهُوَ جَادّ وجَدِيدٌ وعند الكوفيين بمعنى مَفْعُول من جَدَدْتُهُ أي قَطَعْتُهُ{[44142]} .
المعنى أن الكفار قالوا لقومهم متعجبين : إن محمداً يقول : إنكم إذا مِتَّمْ ومزقتم كل تمزيق وصرتم تراباً إنكم لفي خلق جديد أي تخلقون خلقاً جديداً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.