اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ} (7)

قوله : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ } لما بين حالة المكذب بالساعة ورد عليه بقوله : { قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } [ سبأ : 3 ] ثم بين ما يكون بعد إتيانها من جزاء المؤمن على عمله الصالح وجزاء الساعي في تكذيب الآيات بالتعذيب على السيئات وبين حال الكافر والمؤمن بعد قوله عليه ( الصلاة{[44118]} و ) السلام- «بَلَى وَرَبِّي لَتَأتِيَنَّكُمْ » فقال المؤمن الذي أنزل إليك من ربك الحق وهو يهدي وقال الكافر المنكر للبعث متعجباً : { هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } يخبركم يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم - وهذا كقول القائل في الاستبعاد : جاء رجل يقول : إنَّ الشمسَ تَطْلُعُ من المَغْرِب ؛ إلى غير ذلك من المحاولات{[44119]} .

فصل

إذَا مُزِّقْتُم «إذا » منصوب بمقدر أي تُبْعَثُون وتُحْشَرُون وَقْتَ تمزيقكم لدلالة : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } عليه ولا يجوز أن يكون العامل «يُنَبِّئُكُمْ » لأن التنْبئَة لم تقع ذلك الوقت ولا «خَلْقٍ جَدِيدٍ » لأن ما بعد «إنَّ » لا يعمل فيما قبلها{[44120]} . ومن توسع في الظرف أجازه هذا إذا جعلنا «إذَا » ظَرفاً محضاً ، فإن جعلناه شرطاً كان جوابها مقدراً أي تبعثون وهو العامل في «إذَا » عند جمهور{[44121]} النحاة . وجوَّز الزجاج أن تكون معمولة لمُزِّقتُهْم{[44122]} ، وجعله ابن عطية خطأ وإفساداً للمعنى{[44123]} ، قال أبو حيان : وليس بخطأٍ ولا إفساد{[44124]} .

وقد اختلف في العامل في «إذا » الشرطية ، والصحيح أن العامل فيها فعلُ الشرط كأخواتها من أسماء الشرط{[44125]} . وقال شهاب الدين : والجمهور على خلافِهِ{[44126]} ، ثم قال أبو حيان : والجملة الشرطية تحتمل أن تكون معمولة «لِيُنَبِّئُكُمْ » لأنه في معنى : يقول لكم إذا مزقتم{[44127]} تُبْعَثُونَ ، ثم أكد ذلك بقوله : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } ويحتمل أن يكون : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ }{[44128]} معلقاً «لِيُنَبِّئُكُمْ » سادًّا مسد المفعولين ولولا اللام لفتحت «أن » وعلى هذا فجملة الشرط اعتراض ، وقد مَنَعَ قوم التعليقَ في «اعلم » وبابها والصحيح جوازه{[44129]} ، قال :

4108- حَذَارِ فَقَدْ نُبِّئْتَ إنَّكَ لَلَّذِي . . . سَتُجْزَى بِمَا تَسْعَى فَتَسْعَد أو تَشْقَى{[44130]}

وقرأ زيْدُ بْنُ عليِّ بإبدال الهمزة ياء ، {[44131]} وعنه يُنْبِئُكُمْ مِنْ «أَنْبَأَ » كأكْرَمَ{[44132]} و «مُمَزَّق » فيه وجهان :

أحدهما : أنه اسم «مصدر »{[44133]} وهو قياس كلّ ما زاد على الثلاث أن يجئ مصدره وزمانه ومكانه على زنة اسم مفعوله أي كُلَّ تَمْزِيقِ{[44134]} .

والثاني : أنه ظرف مكان ، قاله الزمخشري{[44135]} ، أي كل تمزيق{[44136]} من القبور وبطون الوحش والطير ، ومن مجئ مُفَعَّل مجيء التَّفْعِيل قوله :

4109- ألَمْ تَعْلَمِي مُسَرِّحِي القَوافي . . . فَلاَ عيَّا بِهِنَّ وَلاَ اجْتلاَبَا{[44137]}

أي تسريحي ، والتمزيق التخريق والتقطيع ، يقال ثَوبٌ مُمَزَّقٌ ومَمْزوقٌ ويقال : مزَّقَهُ فهو مَازِقٌ ومَزِقٌ{[44138]} أيضاً قال :

4110- أتَانِي أَنَّهُمْ مَزِقُونَ عِرْضِي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[44139]} . . . .

وقال الممزق العبدي- وبه سمي المُمَزَّقُ- :

4111- فَإن كُنْتُ مَأكُولاً فَكُنْ خَيْرَ آكِلِ . . . وَإلاَّ فَأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ{[44140]}

أي ولما أبْلَى وأَفْنَى{[44141]} ، و «جَدِيد » عند البصريين بمعنى فاعل يقال : جَدَّ الشَّيْءُ فَهُوَ جَادّ وجَدِيدٌ وعند الكوفيين بمعنى مَفْعُول من جَدَدْتُهُ أي قَطَعْتُهُ{[44142]} .

فصل

المعنى أن الكفار قالوا لقومهم متعجبين : إن محمداً يقول : إنكم إذا مِتَّمْ ومزقتم كل تمزيق وصرتم تراباً إنكم لفي خلق جديد أي تخلقون خلقاً جديداً .


[44118]:سقط من "ب".
[44119]:انظر: تفسير الرازي 25/243.
[44120]:قاله ابن الأنباري في البيان 2/275 ومكي في المشكل 2/203 والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" 4/241 والنحاس في تفسيره إعراب القرآن 4/333.
[44121]:قاله أبو حيان في البحر المحيط 7/259 والسمين في الدر المصون 4/411.
[44122]:قال ذلك في إعراب القرآن 4/333 وقد نقل رأي أبي إسحاق الزجاج كما سبق وانظر رأي الزجاج في كتابه معاني القرآن 4/241.
[44123]:البحر المحيط 7/259.
[44124]:المرجع السابق.
[44125]:وهو قول المحققين فتكون بمنزلة متى وحيثما، وأيان. انظر: الهمع 2/64، والمغني 96 "إذا".
[44126]:انظر: الدر المصون 4/412.
[44127]:في البحر مزقتم كل ممزق.
[44128]:وفيه: خلق جديد.
[44129]:بالمعنى والتقديم والتأخير من كلام أبي حيان 7/359.
[44130]:البيت مجهول القائل وهو من بحر الطويل وحذار: اسم فعل أمر بمعنى احذر، ونبئت: أخبرت وهو فعل ونائب فاعل. والشاهد: تعليق الفعل "نبئت" عن الجملة "إنك للذي" باللام ولذا كسرت "إن" وهذا شاهد على تعليق "اعلم" وبابها، البحر المحيط 7/259 والدر المصون 4/412، والهمع 1/158 والتصريح 1/266.
[44131]:أتى بهذه القراءة أبو حيان في البحر المحيط 7/259 والدر المصون 4/412.
[44132]:المرجعان السابقان وانظر: شواذ القرآن 196.
[44133]:ويريد به المصدر الميمي الذي يبدأ بميم وهو يجيء من فعل ثلاثي وغير ثلاثي كما هو معروف.
[44134]:وانظر المرجعين السابقين أيضا .
[44135]:الكشاف 3/280.
[44136]:قال: "فإن قلت قد جعلت الممزق مصدرا كبيت الكتاب: ألم تعلمي مسرحي القوافي البيت فهل يجوز أن يكون مكانا؟ نعم ومعناه ما حصل من الأموات في بطون الطير والسباع وما مرت به السيول فذهبت به كل مذهب وما سفته الرياح فطرحته كل مطرح".
[44137]:من تمام الوافر وهو لجرير الخطفي يفتخر بشاعريته وبتنظيمها وبأنه يسرح القوافي فلا يجتلبها ولا يسرقها من غيره. والشاهد في : "مسرحي" حيث أتى بلفظ مفعل بمعنى التفعيل فالمسرح بمعنى التسريح. وقد تقدم.
[44138]:في "ب" ومزاق ولم أجدها في اللسان مزق. وانظر اللسان "م ز ق" 4193.
[44139]:هذا صدر بيت من الوافر عجزه: ............................. جحاش الكرملين لها فديد وهو لزيد الخيل، والكرملين اسم ماء في جبل طيء، والفديد: الصوت. والشاهد في : "مزقون عرضي" حيث إن "مزقا" بمعنى مخرق ومقطع. وفيه شاهد نحوي لا مجال لنا فيه الآن. والبيت في ابن عقيل رقم 358 ص 114 وتوضيح المقاصد 3/25 والأشموني 2/298 وابن ناظم 164 والدر المصون 4/413.
[44140]:من الطويل وهو للممزق العبدي كما أخبر واسمه –كما في المزهر للسيوطي- شاس بن نهار العبدي جاهلي وهذا غير الممزق الحضرمي وجاء به المؤلف دلالة على التمزيق والتقطيع، وانظر: المزهر 2/443 واللسان: "م ز ق" 4194 والبحر 7/254 والمغني 278 وشرح شواهده للسيوطي 680، والأشموني 4/5، والأصمعيات 166، والكامل للمبرد 1/171 وديوان المفضليات 591.
[44141]:هكذا جئت بتلك الكلمتين . والأصح : ولما أبل وأفن حيث الجزم.
[44142]:قال في الكشاف : فإن قلت: الجديد فعيل بمعنى فاعل أو مفعول؟ قلت: هو عند البصريين بمعنى فاعل تقول: جد فهو جديد كحد فهو حديد وقل فهو قليل. وعند الكوفيين بمعنى مفعول من جده إذا قطعه وقالوا: هو الذي جده الناسج الساعة في الثوب. ثم شاع ولهذا قالوا: ملحفة جديد وهي عند البصريين كقوله تعالى:{إن رحمة الله قريب من المحسنين} وانظر: أيضا البحر المحيط 7/260.