الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ} (7)

{ الذين كَفَرُواْ } قريش . قال بعضهم لبعض : { هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم : يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب : أنكم تبعثون وتنشئون خلقاً جديداً بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً ويمزق أجسادكم البلى كل ممزق ، أي : يفرقكم ويبدد أجزاءكم كل تبديد . أهو مفتر على الله كذباً فيما ينسب إليه من ذلك ؟ أم به جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه ؟ ثم قال سبحانه ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء ، وهو مبرأ منهما ؛ بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث : واقعون في عذاب النار فيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك ، وذلك أجنّ الجنون وأشدّه إطباقاً على عقولهم : جعل وقوعهم في العذاب رسيلاً لوقوعهم في الضلال ، كأنهما كائنان في وقت واحد : لأنّ الضلال لما كان العذاب من لوازمه وموجباته : جعلا كأنهما في الحقيقة مقترنان . وقرأ زيد بن عليّ رضي الله عنه : ينبيكم .

فإن قلت : فقد جعلت الممزق مصدراً ، كبيت الكتاب :

أَلَمْ تَعْلَمْ مُسَرَّحِي الْقَوَافِي *** فَلاَعِيّاً بِهِنَّ وَلاَ اجْتِلاَبَاً

فهل يجوز أن يكون مكاناً ؟ قلت : نعم . ومعناه ما حصل من الأموات في بطون الطير والسباع ، وما مرّت به السيول فذهبت به كل مذهب ، وما سفته الرياح فطرحته كل مطرح .

فإن قلت : ما العامل في إذا ؟ قلت : ما دلّ عليه { إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ } وقد سبق نظيره .

فإن قلت : الجديد فعيل بمعنى فاعل أم مفعول ؟ قلت : هو عند البصريين بمعنى فاعل ، تقول : جد فهو جديد ، كحدّ فهو حديد ، وقلّ فهو قليل . وعند الكوفيين بمعنى : مفعول ، من جدّه إذا قطعه . وقالوا : هو الذي جده الناسج الساعة في الثوب ؛ ثم شاع . ويقولون : ولهذا قالوا ملحفة جديد ، وهي عند البصريين كقوله تعالى : { إن رحمة الله قريب } [ الأعراف : 56 ] ونحو ذلك .