الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ} (7)

قوله : { إِذَا مُزِّقْتُمْ } : " إذا " منصوبٌ بمقدرٍ أي : تُبْعَثون وتُجْزَوْن وقتَ تمزيقكم لدلالةِ { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } عليه .

ولا يجوز أن يكونَ العاملُ " يُنَبِّئكم " لأن التنبئةَ لم تقعْ ذلك الوقتَ . ولا " خَلْقٍ جديدٍ " لأنَّ ما بعد " إنَّ " لا يعمل فيما قبلها . ومَنْ تَوَسَّعَ في الظرف أجازه . هذا إذا جَعَلْنا " إذا " ظرفاً مَحْضاً . فإنْ جَعَلْناه شرطاً كان جوابُها مقدراً أي : تُبْعَثون ، وهو العاملُ في " إذا " عند جمهور النحاة .

وجَوَّز الزجَّاج والنحاس أن يكون معمولاً ل " مُزِّقْتُمْ " . وجعله ابنُ عطية خطأً وإفساداً للمعنى . قال الشيخ : " وليس بخطأ ولا إفسادٍ . وقد اخْتُلف في العامل في " إذا " الشرطية ، وبَيَّنَّا في " شرح التسهيل " أنَّ الصحيحَ أنَّ العامَل فيها فعلُ الشرط كأخواتِها من أسماء الشرط " . قلت : لكنَّ الجمهورَ على خلافِه . ثم قال الشيخ : " والجملةُ الشرطيةُ يُحتمل أَنْ تكونَ معمولة ل " يُنَبِّئُكم " لأنه في معنى : يقول لكم إذا مُزِّقْتُمْ : تُبْعَثُون . ثم أكَّد ذلك بقوله : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } . ويُحتمل أن يكون { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ } مُعلِّقاً ل " يُنَبِّئكم " سادًّا مَسَدَّ المفعولين ، ولولا اللام لفُتِحَتْ " إنَّ " وعلى هذا فجملةُ الشرطِ اعتراضٌ . وقد منع قومٌ التعليقَ في " أعلم " وبابِها ، والصحيحُ جوازُه . قال :

3717 حَذارِ فقد نُبِّئْتُ إنكَ لَلَّذيْ *** سَتُجْزَى بما تَسْعَى فتسعدَ أو تَشْقَى

وقرأ زيد بن علي بإبدالِ الهمزةِ ياءً . وعنه " يُنْبِئُكم " من أَنْبأ كأكرم .

ومُمَزَّقٌ فيه وجهان ، أحدهما : أنه اسمُ مصدرٍ ، وهو قياسُ كلِّ ما زاد على الثلاثة أي : يجيءُ مصدرُه وزمانُه ومكانُه على زِنَةِ اسم مفعولِه أي : كلَّ تمزيق . والثاني : أنه ظرفُ مكانٍ . قاله الزمخشري ، أي : كلَّ مكانِ تمزيقٍ من القبورِ وبطون الوَحْشِ والطير . ومِنْ مجيءِ مُفَعَّل مجيءَ التفعيلِ قوله :

3718 ألَمْ تَعْلَمْ مُسَرَّحِيَ القوافِيْ *** فلا عِيَّاً بهنَّ ولا اجْتِلابا

أي : تَسْريحي . والتَّمْزِيق : التخريقُ والتقطيع . يُقال : ثوب مُمَزَّق ومَمْزوق . ويُقال : مَزَقه فهو مازِقٌ ومَزِقٌ أيضاً . قال :

3719 أتاني أنهم مَزِقُون عِرْضِيْ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال الممزق العبدي - وبه سُمِّي المُمَزَّق :

3720 فإنْ كنتُ مأكولاً فكن خيرَ آكلٍ *** وإلاَّ فأدْرِكْني ولَمَّا أُمَزَّقِ

أي : ولما أُبْلَ وأُفْنَ .

و " جديد " عند البصريين بمعنى فاعِل يقال : جَدَّ الشيءُ فهو جادُّ وجديد ، وعند الكوفيين بمعنى مفعول مِنْ جَدَدْتُه أي : قَطَعْتُه .