المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (149)

149- قل - يا أيها النبي - : لله الحُجة الواضحة في كذبكم وادعائكم أن الله رضي بعملكم ، ولا حُجة لكم فيما تزعمون من الشرك والتحليل والتحريم وغيرها ، فلو شاء الله أن يوفقكم إلى الهداية لهداكم أجمعين إلى طريق الحق ، ولكنه لم يشأ ذلك لاختياركم سبيل الضلال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (149)

136

( قل : فلله الحجة البالغة ، فلو شاء لهداكم أجمعين ) .

قضية واضحة ، مصوغة في أيسر صورة يدركها الإدراك البشري . فأما المعاظلة فيها والمجادلة فهي غريبة على الحس الإسلامي وعلى المنهج الإسلامي . . ولم ينته الجدل فيها في أية فلسفة أو أي لاهوت إلى نتيجة مريحة . لأنه جدل يتناول القضية بأسلوب لا يناسب طبيعتها

إن طبيعة أي حقيقة هي التي تحدد منهج تناولها ، وأسلوب التعبير عنها كذلك . الحقيقة المادية يمكن تناولها بتجارب المعمل . والحقيقة الرياضية يمكن تناولها بفروض الذهن . والحقيقة التي وراء هذا المدى ، لا بد أن تتناول بمنهج آخر . . هو كما قلنا من قبل : منهج التذوق الفعلي لهذه الحقيقة في مجالها الفعلي . ومحاولة التعبير عنها بغير أسلوب القضايا الذهنية التي عولجت بها في كل ما جرى حولها من الجدل قديماً وحديثاً .

وبعد فلقد جاء هذا الدين ليحقق واقعاً عملياً ؛ تحدده أوامر ونواه واضحة . فالإحالة على المشيئة الغيبية دخول في متاهة ، يرتادها العقل بغير دليل ، ومضيعة للجهد الذي ينبغي أن ينفق في العمل الإيجابي الواقعي المشهود .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (149)

ثم أعقب تعالى أمره نبيه صلى الله عليه وسلم بتوقيف المشركين على موضع عجزهم بأمره إياه بأن يقول مبيناً مفصحاً { فلله الحجة البالغة } يريد البالغة غاية المقصد في الأمر الذي يحتج فيه ، ثم أعلم بأنه لو شاء لهدى العالم بأسره .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذه الآية ترد على المعتزلة في قولهم إن الهداية والإيمان إنما هي من العبد لا من الله ، فإن قالوا معنى { لهداكم } لاضطركم إلى الهدى فسد ذلك بمعتقدهم أن الإيمان الذي يريد الله من عباده ويثيب عليه ليس الذي يضطر إليه العبد ، وإنما هو عندهم الذي يقع من العبد وحده .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (149)

جواب عن قولهم : { لو شاء الله ما أشرَكْنا ولا آباؤنا } [ الأنعام : 148 ] تكملة للجواب السّابق لأنَّه زيادة في إبطال قولهم ، وهو يشبه المعارضة في اصطلاح أهل الجدل .

وأعيد فعل الأمر بالقول لاسترعاء الأسماع لِما سيرد بعد فعل : { قل } وقد كرّر ثلاث مرات متعاقبة بدون عطف ، والنكتة ما تقدم من كون القول جارياً على طريقة المقاولة .

والفاء فصيحة تؤذن بكلام مقدّر هو شرط ، والتّقدير : فإن كان قولكم لمجرّد اتّباع الظنّ والخرص وسوء التّأويل فللّه الحجّة البالغة . وتقديم المجرور على المبتدأ لإفادة الاختصاص ، أي : لله لا لكم ، ففهم منه أنّ حجتّهم داحضة .

والحجّة : الأمر الذي يدلّ على صدق أحد في دعواه وعلى مصادفة المستدلّ وجه الحقّ ، وتقدّم القول فيها عند قوله تعالى : { لئلا يكون للنّاس عليكم حجّة } في سورة البقرة ( 150 ) .

والبالغة هي الواصلة : أي الواصلة إلى ما قُصدت لأجله ، وهو غَلَب الخصم ، وإبطالُ حجّته ، كقوله تعالى : { حِكْمة بالغة } [ القمر : 5 ] ، فالبلوغ استعارة مشهورة لحصول المقصود من الشّيء فلا حاجة إلى إجراء استعارة مكنيّة في الحجّة بأن تشبّه بسائر إلى غاية ، وقرينتها إثباتُ البلوغ ، ولا حاجة أيضاً إلى جعل إسناد البلوغ إلى الحجّة مجازاً عقلياً ، أي بالغاً صاحبُها قَصْدَه ، لأنَّه لا محيصّ من اعتبار الاستعارة في معنى البلوغ ، فالتّفسير به من أوّل وهلة أولى ، والمعنى : لله الحجّة الغالبة لكم ، أي وليس استدلالُكم بحجّة .

والفاء في قوله : { فلو شاء } فاء التّفريع على ظهور حجّة الله تعالى عليهم : تفرع على بطلان استدلالهم أنّ الله لو شاء لهداهم ، أي لو شاء هدايتهم بأكثر من إرسال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بأن يغيّر عقولهم فتأتيَ على خلاف ما هُيِّئتْ له لَكَان قد فعل ذلك بوجه عناية خاصّة بهم أو خارق عادة لأجلهم ، إذ لا يعجزه شيء ، ولكن حكمته قضت أن لا يعمّم عنايته بل يختصّ بها بعض خاصّته ، وأن لا يعدل عن سنّته في الهداية بوضع العقول وتنبيهها إلى الحقّ بإرسال الرّسل ونصب الأدلّة والدّعاء إلى سبيله بالحكمة والموعظة ، فالمشيئة المقصودة في قوله : فلو شاء لهداكم غير المشيئة المقصودة فيما حكى الله عنهم من قولهم : { لو شاء الله ما أشركنا } [ الأنعام : 148 ] وإلاّ لكان ما أُنكر عليهم قد أثبت نظيره عقب الإنكار فتتناقض المُحَاجَّة ، لأنّ الهداية تساوي عدم الإشراك وعدمَ التحريم ، فلا يصدُق جعل كليهما جواباً للَوْ الامتناعيّة ، فالمشيئة المقصودة في الردّ عليهم هي المشيئة الخفيّة المحجوبة ، وهي مشيئة التّكوين ، والمشيئة المنكرة عليهم هي ما أرادوه من الاستدلال بالواقع على الرّضى والمحبّة . هذا وجه تفسير هذه الآية التي كلَّلها من الإيجاز ما شتَّت أفهاماً كثيرة في وجه تفسيرها لا يَخفى بُعدها عن مُطالع التّفاسير والموازنةُ بينها وبين ما هنا .