تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (149)

المفردات :

الحجة البالغة : أي : التامة ؛ بإنزال الكتب ، وإرسال الرسل ، مع تسليم العقل .

التفسير :

قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين .

أي : البينة الواضحة التي بلغت أعلى درجات العلم والقوة والمتانة والكمال ، والتي تنقطع عندها معاذريهم ، وتبطل شبههم وظنونهم وتوهماتهم .

فلو شاء لهداكم أجمعين .

أي : لو شاء هدايتكم جميعا لفعل ؛ لأنه لا يعجزه شيء ، ولكنه لم يشأ ذلك ، بل شاء هداية البعض ؛ لأنهم صرفوا اختيارهم إلى سلوك طريق الحق ، وشاء ضلالة آخرين ؛ لأنهم صرفوا اختيارهم إلى سلوك طريق الباطل .

إن مشيئة الله لم تجبر أحدا على طاعة أو معصية وقضاء الله وقدره هو علمه بكل ما هو كائن قبل أن يكون وليس العلم صفة تأثير وجبر .

ولقد شاءت إرادة الله أن يجعل في البشر الاستعداد للخير والشر ، غير أن سنة الله اقتضت أن من يفتح عينه يرى النور ومن يغمضها لا يراه ، كذلك من يفتح قلبه لإدراك دلائل الإيمان ؛ يهتدي ومن يحجب قلبه عنها ؛ يضل : سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا . ( الفتح : 23 ) .

إن الله لم يشأ أن يجبر أحدا على طاعته أو معصيته ، قال تعالى : فلو شاء لهداكم أجمعين . فهي مشيئة المنح والتيسير ، وليست مشيئة الإلجاء والتسخير ، فمن سلك طريق الهدى ؛ يسر الله له ذلك قال تعالى : فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى . ( الليل : 5 – 7 ) .