غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (149)

141

السابع : { قل فلَّله الحجة البالغة } لأنه أزال الأعذار بالتمكين والإقدار فلم يبق لكم على الله حجة وإنما الحجة البالغة له عليكم وذلك أنكم تقولون : لو أتينا بعمل على خلاف مشيئة الله لزم أن يكون الإله عاجزاً مغلوباً . وهذا الكلام غير لازم لأن الله قادر على أن يحملكم على الإيمان والطاعة على سبيل القهر والإجلاء إلا أن ذلك يبطل الحكمة المطلوبة من التكليف وهذا هو المراد من قوله : { فلو شاء لهداكم أجمعين } وبوجه آخر إن كان الأمر كما زعمتم أن ما أنتم عليه بمشيئة الله فللَّه الحجة الكاملة عليكم فإن تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم أيضاً بمشيئته فتوالوا جميع أهل الأديان ولا تعادوهم . أجابت الأشاعرة بأنا قد بينا بالدلائل القاطعة من أول القرآن إلى هاهنا صحة مذهبنا فوجب تأويل هذه الآية دفعاً للتناقض فنقول : إن القول كانوا يتمسكون بمشيئة الله تعالى في إبطال دعوة الأنبياء ، وفي أن التكليف عبث فبين الله تعالى أن ذلك من تكاذيبهم وأكاذيبهم ، وأن التشبث بهذا العذر لا يفيدهم لأنه إله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا اعتراض لأحد عليه ، شاء الكفر من الكافر ومع ذلك بعث الأنبياء وأمر بالإيمان ، وورود الأمر على خلاف الإرادة غير ممتنع ويؤيد ذلك ما روي عن ابن عباس : أول ما خلق الله القلم فقال : اكتب القدر فجرى بما يكون إلى قيام الساعة . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله «المكذبون بالقدر مجوس هذه الأمة » ثم إن ظاهر آخر الآية معناه وهو قوله : { فلو شاء لهداكم أجمعين } وحمل المشيئة على مشيئة الإلجاء والقسر تعسف والله أعلم .

/خ150