المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى} (58)

58- وإنا سنبطل سحرك من عندنا ، فاجعل بيننا وبينك موعداً نلتقي فيه ، ولا يتخلف منا أحد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى} (58)

وإذا كان موسى يطلب إطلاق بني إسرائيل لهذا الغرض ، وكل ما يقدمه هو عمل من أعمال السحر ، فما أسهل الرد عليه : ( فلنأتينك بسحر مثله ) . . وهكذا يفهم الطغاة أن دعوى أصحاب العقائد إنما تخفي وراءها هدفا من أهداف هذه الأرض ؛ وإنها ليست سوى ستار للملك والحكم . . ثم هم يرون مع أصحاب الدعوات آيات ، إما خارقة كآيات موسى ، وإما مؤثرة في الناس تأخذ طريقها إلى قلوبهم وإن لم تكن من الخوارق . فإذا الطغاة يقابلونها بما يماثلها ظاهريا . . سحر نأتي بسحر مثله ! كلام نأتي بكلام من نوعه ! صلاح نتظاهر بالصلاح ! عمل طيب نرائي بعمل طيب ! ولا يدركون أن للعقائد رصيدا من الإيمان ، ورصيدا من عون الله ؛ فهي تغلب بهذا وبذاك ، لا بالظواهر والأشكال !

وهكذا طلب فرعون إلى موسى تحديد موعد للمباراة مع السحرة . . وترك له اختيار ذلك الموعد : للتحدي : ( فاجعل بيننا وبينك موعدا )وشدد عليه في عدم إخلاف الموعد زيادة في التحدي ( لا نخلفه نحن ولا أنت ) . وأن يكون الموعد في مكان مفتوح مكشوف : ( مكانا سوى )مبالغة في التحدي !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى} (58)

وقرأت فرقة «لا نخلُفه » بالرفع ، وقرأت فرقة «لا نخلفْه » بالجزم على جواب الأمر ، و { نحن } تأكيد للضمير من حيث احتاج الكلام إلى العطف عليه أكد ، و { موعداً } مفعول أول ل { فاجعل } ، و { مكاناً } مفعول ثان هذا الذي اختار أبو علي ومنع أن يكون { مكاناً } معمولاً لقوله { موعداً } لأنه قد وصف وهذه الأسماء العاملة عمل الفعل إذا نعتت أو عطف عليها أو أخبر عنها أو صغرت أو جمعت وتوغلت في الاسمية بمثل هذا لم تعمل ولا تعلق بها شيء هو منها ، وقد يتوسع في الظروف فتعلق بعد ما ذكرنا كقوله عز وجل : { ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون }{[8117]} [ غافر : 10 ] فقوله { إذ } [ غافر : 10 ] معلق بقوله { لمقت الله } [ غافر : 10 ] وهو قد أخبر عنه وإنما جاز هذا في الظروف خاصة ، وكذلك منع أبو علي أن يكون قوله { مكاناً } قصياً على الظرف الساد مسد المفعول .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر . ومنع قوم أن يكون { مكاناً } نصب على المفعول الثاني بتخلفه ، وجوزه جماعة من النحاة ووجهه أن يتسع في أن يخلف الوعد . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع والكسائي «سِوى » بكسر السين ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة «سُوى » بضمها ، والجمهور نون الواو ، وقال أبو الفتح ترك الصرف هنا مشكل والذي ينبغي أن يكون محمولاً على الوقف{[8118]} ، وقرأت فرقة «سوى » ذكره أبو عمرو عن ابن أبي عبلة ومعنى «سوى » أي عدلاً ونصفه ، قال أبو علي : فكأنه قال «مكاناً » قريبا منا قربه منكم .

قال أبو محمد رحمه الله : إنما أراد أن حالنا فيه مستوية فيعم ذلك القرب وأن تكون المنازل فيه واحدة في تعاطي الحق أي لا يعترضكم فيه الرياسة وإنما تقصد الحجة . و { سوى } لغة في سوى ومن هذه اللفظة قول الشاعر [ موسى ابن جابر الحنفي ] [ الطويل ]

وإن أباناً كان حل ببلدة . . . سوى بين قيس قيس عيلان والفزر{[8119]}

وقالت فرقة مستوياً من الأرض لا وهد فيه ولا نجد{[8117]} ، وقالت فرقة معناه سوى مكاناً هذا{[8118]}


[8117]:من الآية (10) من سورة غافر.
[8118]:إنما كان ترك الصرف مشكلا لأنه وصف على فعل، وذلك مصروف عند اللغويين والنحويين، يقال: (مال لبد ـ ورجل حطم، ودليل ختع)، "واللبد: الكثير، والحطم: الظلوم، والختع: الحاذق في الدلالة".
[8119]:البيت لموسى بن جابر الحنفي، قال ذلك في اللسان (سوى)، والرواية فيه: (وجدنا أبانا...)، والبيت في الطبري، والقرطبي، والبحر، وقد نقل صاحب اللسان عن الأخفش قوله: "سوى وسوى إذا كان بمعنى (غير) أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات: إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعا، وإن فتحت مددت، تقول: مكان سوى وسوى وسواء، أي: عدل ووسط فيما بين الفريقين". ثم استشهد ببيت موسى ابن جابر هذا. ثم نقل عن ابن بري قوله: "ولم يأت سواء مكسور السين ممدودا إلا في قولهم: هو في سواء رأسه، إذا كان في نعمة وخصب". والفرز هو سعد بن زيد بن مناة، أبو قبيلة من تميم.