المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (30)

30- ذلك الذي يتبعونه في عقائدهم وأعمالهم منتهى ما وصلوا إليه من العلم ، إن ربك هو أعلم بمن أصر على الضلال ، وهو أعلم بمن شأنه قبول الاهتداء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (30)

على أن للإعراض اتجاها آخر ، هو التهوين من شأن هذه الفئة . فئة الذين لا يؤمنون بالله ؛ ولا يبتغون شيئا وراء الحياة الدنيا . فمهما كان شأنهم فهم محجوبون عن الحقيقة ، قاصرون عن إدراكها ، واقفون وراء الأسوار . أسوار الحياة الدنيا . . ( ذلك مبلغهم من العلم ) . وهو مبلغ تافه مهما بدا عظيما . قاصر مهما بدا شاملا . مضلل مهما بدا هاديا . وما يمكن أن يعلم شيئا ذا قيمة من يقف بقلبه وحسه وعقله عند حدود هذه الأرض . ووراءها - حتى في رأي العين - عالم هائل لم يخلق نفسه . ووجوده هكذا أمر ترفضه البداهة . ولم يوجد عبثا متى كان له خالق . وإنه لعبث أن تكون الحياة الدنيا هي نهاية هذا الخلق الهائل وغايته . . فإدراك حقيقة هذا الكون من أي طرف من أطرافها كفيل بالإيمان بالخالق . وكفيل كذلك بالإيمان بالآخرة . نفيا للعبث عن هذا الخالق العظيم الذي يبدع هذا الكون الكبير .

ومن ثم يجب الإعراض عمن يتولى عن ذكر الله ويقف عند حدود الدنيا ، الإعراض على سبيل صيانة الاهتمام أن يبذل في غير موضعه والإعراض على سبيل التهوين والاحتقار لمن هذا مبلغ علمه . ونحن مأمورون بهذا إن أردنا أن نتلقى أمر الله لنطيعه . لا لنقول كما قالت يهود : سمعنا وعصينا . . والعياذ بالله من هذا !

إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى . .

وقد علم أن هؤلاء ضالون . فلم يرد لنبيه ولا للمهتدين من أمته أن يشغلوا أنفسهم بشأن الضالين . ولا أن يصاحبوهم . ولا أن يحفلوهم . ولا أن يخدعوا في ظاهر علمهم المضلل القاصر ، الذي يقف عند حدود الحياة الدنيا . ويحول بين الإدراك البشري والحقيقة الخالصة ، التي تقود من يدركها إلى الإيمان بالله ، والإيمان بالآخرة ، وتتخطى به حدود هذه الأرض القريبة ، وهذه الحياة الدنيا المحدودة .

وإن العلم الذي يبلغه هؤلاء القاصرون الضالون ليبدو في أعين العوام وأشباههم ، عوام القلب والإدراك والحس ، شيئا عظيما ذا فاعلية وأثر في واقع الحياة الدنيا . ولكن هذا لا ينفي صفة الضلال عنهم في النهاية ، ولا صفة الجهل والقصور . فحقيقة الارتباط بين هذا الوجود وخالقه . وحقيقة الارتباط بين عمل الإنسان وجزائه . هاتان الحقيقتان ضروريتان لكل علم حق . وبدونهما يبقى العلم قشورا لا تؤثر في حياة الإنسان ولا ترقيها ولا ترفعها . وقيمة كل علم مرهونة بأثره في النفس وفي ارتباطات البشر الأدبية . وإلا فهو تقدم في الآلات وانتكاس في الآدميين . وما أبأسه من علم هذا الذي ترتقي فيه الآلات على حساب الآدميين ! ! !

وشعور الإنسان بأن له خالقا خلقه وخلق هذا الكون كله ، وفق ناموس واحد متناسق . يغير من شعوره بالحياة ، وشعوره بما حوله وبمن حوله ؛ ويجعل لوجوده قيمة وهدفا وغاية أكبر وأشمل وارفع ، لأن وجوده مرتبط بهذا الكون كله ؛ فهو أكبر من ذاته المعدودة الأيام . وأكبر من أسرته المعدودة الأفراد وأكبر من قومه ، وأكبر من وطنه وأكبر من طبقته التي يطنطن بها أصحاب المذاهب المادية الحديثة . وأرفع من اهتمامات هذه التشكيلات جميعا !

وشعور الإنسان بأن خالقه محاسبه في الآخرة ومجازيه . يغير من تصوراته ومن موازينه ومن حوافزه ومن أهدافه . ويربط الحاسة الأخلاقية في نفسه بمصيره كله ، فيزيدها قوة وفاعلية . لأن هلاكه أو نجاته مرهونة بيقظة هذه الحاسة وتأثيرها في نيته وعمله . ومن ثم يقوى " الإنسان " ويسيطر على تصرفات هذا الكائن . لأن الرقيب الحارس قد استيقظ ! ولأن الحساب الختامي ينتظره هناك . ومن الناحية الأخرى فهو مطمئن إلى الخير واثق من انتصاره في الحساب الختامي . حتى لو رآه ينهزم في الأرض في بعض الجولات ! وهو مكلف دائما أن ينصر الخير ويكافح في سبيله سواء هزم في هذه الأرض أم انتصر لأن الجزاء النهائي هناك !

إنها مسألة كبيرة هذا الإيمان بالله والإيمان بالآخرة . مسألة أساسية في حياة البشر . إنها حاجة أكبر من حاجات الطعام والشراب والكساء . وإنها إما أن تكون فيكون " الإنسان " وإما ألا تكون فهو حيوان من ذلك الحيوان !

وحين تفترق المعايير والأهداف والغايات وتصور الحياة كلها هذا الاختلاف ، فلا مجال حينئذ إلى مشاركة أو تعامل أو حتى تعارف ينشأ عنه قسط من الاهتمام .

ومن ثم لا يمكن أن تقوم علاقة أو صحبة أو شركة أو تعاون ، أو أخذ وعطاء ، أو اهتمام واحتفال بين مؤمن بالله ، وآخر أعرض عن ذكره ولم يرد إلا الحياة الدنيا . وكل قول غير هذا فهو محال ومراء ، يخالف عن أمر الله : ( فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (30)

{ ذلك } أي أمر الدنيا أو كونها شهية . { مبلغهم من العلم } لا يتجاوزه علمهم والجملة اعتراض مقرر لقصور هممهم بالدنيا وقوله : { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى } تعليل للأمر بالإعراض أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (30)

قوله جلّ ذكره : { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ العِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } .

أي أَعْرِض عمَّن أَعرض عن القرآنِ والإيمان به وتدَبُّرِ معانيه ، ولم يُرِدْ إِلا الحياةَ الدنيا . ذلك مبلغهم من العلم ؛ وإنما رضوا بالدنيا لأنهم لم يعلموا حديث الآخرة ، وإِنَّ ربَّك عليمٌ بالضالِّ ، عليمٌ بالمهتدِي . . . وهو يجازي كلاًّ بما يستحق .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (30)

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (30)

مبلغهم من العلم : منتهى علمهم .

لأن ذلك الذي يتبعونه هو منتَهى ما وصلوا إليه من العلم ، { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى } ، فهؤلاء قومٌ لا تجدي فيهم الذكرى ولا تؤثر فيهم الموعظة ، فلا تبتئس بإنكارهم وكفرهم ، اللهُ أعلمُ بهم .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (30)

وقوله تعالى : { ذلك } أي أمر الحياة الدنيا المفهوم من الكلام ولذا ذكر اسم الإشارة ، وقيل : أي ما أداهم إلى ما هم فيه من التولي وقصر الإرادة على الحياة الدنيا ، وقيل : ذلك إشارة إلى الظن الذي يتبعونه ، وقيل : إلى جعلهم الملائكة بنات الله سبحانه وكلا القولين كما ترى { مَبْلَغُهُمْ مّنَ العلم } أي منتهى علمهم لا علم لهم فوقه اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها من قصر الإرادة على الحياة الدنيا .

والمراد بالعلم مطلق الإدراك المنتظم للظن الفاسد ، وضمير { مَبْلَغُهُمْ } لمن وجمع باعتبار معناه كما أن إفراده قبل باعتبار لفظه ، وقوله سبحانه :

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى } تعليل للأمر بالإعراض ، وتكرير قوله تعالى : { هُوَ أَعْلَمُ } لزيادة التقرير والإيذان بكمال تباين المعلومين ، والمراد { بِمَن ضَلَّ } من أصر على الضلال ولم يرجع إلى الهدى أصلاً ، و { بِمَنِ اهتدى } من شأنه الاهتداء في الجملة ، أي هو جل شأنه المبالغ في العلم بمن لا يرعوي عن الضلال أبداً ، وبمن يقبل الاهتداء في الجملة لا غيره سبحانه فلا تتعب نفسك في دعوتهم ولا تبالغ في الحرص عليها فإنهم من القبيل الأول .