وإذا خلص الأمر كله لله في الآخرة والأولى . فإن أوهام المشركين عن شفاعة الآلهة المدعاة - من الملائكة - لهم عند الله . كما قالوا : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) . . إن هذه الأوهام لا أصل لها . فالملائكة الحقة في السماء لا تملك الشفاعة إلا حين يأذن الله في شيء منها :
( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا . إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) . .
ومن ثم تسقط دعواهم من أساسها ، فوق ما فيها من بطلان تولى تفنيده في الآيات السابقة . وتتجرد العقيدة من كل غبش أو شبهة . فالأمر لله في الآخرة والأولى . ومنى الإنسان لا تغير من الحق الواقع شيئا . والشفاعة لا تقبل إلا بإذن من الله ورضى . فالأمر إليه في النهاية . والاتجاه إليه وحده في الآخرة والأولى .
وكم من ملك : وكثير من الملائكة .
لا تغني شفاعتهم : لا تنفع شفاعتهم شيئا .
لمن يشاء ويرضى : لمن يشاء الله أن يشفع له الملائكة ، ويراه أهلا للشفاعة ، فالشفاعة
تحتاج إلى أمرين : الإذن من الله ، والرضا عن المشفوع له .
26- { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } .
كثير من الملائكة المقربين لا تنفع شفاعتهم شيئا من النفع لأحد من عباده المذنبين ، إلا من بعد أن يأذن الله تعالى في الشفاعة لمن يشاء من أهل التوحيد والإيمان ويرضى عنه ، كما قال سبحانه : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه . . . } ( البقرة : 200 ) .
وقال عز شأنه : { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له . . . } ( سبأ : 23 ) .
فإذا كان ذلك في حق الملائكة المقربين ، فكيف ترجون أيها المشركون شفاعة هذه الأصنام والأنداد عند الله ، وهو سبحانه وتعالى لم يشرع عبادتها ، ولا أذن فيها ؟
لقد حاكمهم القرآن إلى العقل ودخل عليهم من كل باب ، وقدم إليهم الحجج والأدلة على أن هذه الأصنام لا تسمع ولا تجيب ولا تعقل ، ولا تنفع ولا تضر ، ولا يوجد دليل نقلي ولا عقلي على ألوهيتها ولا شفاعتها ، فالشفاعة لله وحده ، ولا يستطيع ملك مقرب أن يشفع في أحد من المذنبين إلا بإذن الله ، وبعد أن يرضى عن المشفوع له .
وأجاز بعض المفسرين أن يكون معنى الآية ما يأتي :
وكثير من الملائكة لا تنفع شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاؤه منهم بالشفاعة ، ويراه أهلا لها .
{ وكم من ملك في السموات } : أي وكثير من الملائكة في السموات .
{ لا تغنى شفاعتهم شيئا } : أي لو أرادوا أن يشفعوا لأحد حتى يكون الله قد أذن لهم ورضي للمسموح له بالشفاعة .
وكم من ملك في السماوات لا يعدون كثرة لا تغنى شفاعتهم شيئاً من الإِغناء ولو قلّ إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء أن يشفع من الملائكة وغيرهم ، ويرضى عن المشفوع له ، وإلاّ فلا شافع ولا شفاعة تنفع عند الله الملك الحق المبين .
- كل شفاعة تُرجى فهي لا تحقق شيئاً إلا بتوفر شرطين الأول أن يأذن الله للشافع في الشفاعة الثاني أن يكون الله قد رضي للمشفوع له بالشفاعة والخلاصة هي : الإِذن للشافع والرضا عن المشفوع .
{ 26 } { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى }
يقول تعالى منكرا على من عبد غيره من الملائكة وغيرهم ، وزعم أنها تنفعه وتشفع له عند الله يوم القيامة : { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ } من الملائكة المقربين ، وكرام الملائكة ، { لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا } أي : لا تفيد من دعاها وتعلق بها ورجاها ، { إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } أي : لا بد من اجتماع الشرطين : إذنه تعالى في الشفاعة ، ورضاه عن المشفوع له . ومن المعلوم المتقرر ، أنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجه الله ، موافقا فيه صاحبه الشريعة ، فالمشركون إذا لا نصيب لهم من شفاعة الشافعين ، وقد سدوا على أنفسهم رحمة أرحم الراحمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.