المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

150- إن الذين لا يؤمنون بالله ورسله ، والذين يريدون التفرقة في الإيمان بالله ورسله ويقولون : نؤمن ببعض الرسل دون بعض ، فيؤمنون بمن يحبون ، ويكفرون بمن لا يحبون ، والواجب الإيمان بالجميع ، لأن الإيمان لا يقبل أن يتجزأ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

148

( إن الذين يكفرون بالله ورسله ؛ ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ؛ ويقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ؛ ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا . أولئك هم الكافرون حقا ، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا . والذين آمنوا بالله ورسله ، ولم يفرقوا بين أحد منهم ، أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ؛ وكان الله غفورا رحيمًا ) .

لقد كان اليهود يدعون الإيمان بأنبيائهم ؛ وينكرون رسالة عيسى ورسالة محمد ؛ كما كان النصارى يقفون بإيمانهم عند عيسى - فضلا عن تأليهه - وينكرون رسالة محمد كذلك .

وكان القرآن ينكر على هؤلاء وهؤلاء ؛ ويقرر التصور الإسلامي الشامل الكامل عن الإيمان بالله ورسوله ؛ بدون تفريق بين الله ورسله ؛ وبدون تفريق كذلك بين رسله جميعا . وبهذا الشمول كان الإسلام هو " الدين " الذي لا يقبل الله من الناس غيره ، لأنه هو الذي يتفق مع وحدانية الله ؛ ومقتضيات هذه الوحدانية .

إن التوحيد المطلق لله سبحانه يقتضي توحيد دينه الذي أرسل به الرسل للبشر ، وتوحيد رسله الذين حملوا هذه الأمانة للناس . . وكل كفر بوحدة الرسل أو وحدة الرسالة هو كفر بوحدانية الله في الحقيقة ؛ وسوء تصور لمقتضيات هذه الوحدانية . فدين الله للبشر ومنهجه للناس ، هو هو لا يتغير في أساسه كما أنه لا يتغير في مصدره .

لذلك عبر السياق هنا عمن يريدون التفرقة بين الله ورسله [ بأن يؤمنوا بالله ويكفروا بالرسل ] وعمن يريدون التفرقة بين الرسل [ بأن يؤمنوا ببعضهم ويكفروا ببعضهم ] عبر عن هؤلاء وهؤلاء بأنهم ( الذين يكفرون بالله ورسله ) ، وعد تفرقتهم بين الله ورسله ، وتفرقتهم بين بعض رسله وبعض ، كفرا بالله وبرسله .

إن الإيمان وحدة لا تتجزأ . . الإيمان بالله إيمان بوحدانيته - سبحانه - ووحدانيته تقتضي وحدة الدين الذي ارتضاه للناس لتقوم حياتهم كلها - كوحدة - على أساسه . ويقتضي وحدة الرسل الذين جاءوا بهذا الدين من عنده - لا من عند أنفسهم ولا في معزل عن إرادته ووحيه - ووحدة الموقف تجاههم جميعا . . ولا سبيل إلى تفكيك هذه الوحدة . إلا بالكفر المطلق ؛ وإن حسب أهله أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

يتوعد [ تبارك و ]{[8537]} تعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى ، حيث فَرّقوا بين الله ورسله في الإيمان ، فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض ، بمجرد التشهي والعادة ، وما ألفوا عليه آباءهم ، لا عن دليل قادهم إلى ذلك ، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية . فاليهود - عليهم لعائن الله - آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم ، والسامرة لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران ، والمجوس يقال : إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له{[8538]} زرادشت ، ثم كفروا بشرعه ، فرفع من بين أظهرهم ، والله{[8539]} أعلم .

والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء ، فقد كفر بسائر الأنبياء ، فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض ، فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعيًّا ، إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ؛ ولهذا قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله { وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ } أي : في الإيمان { وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا } أي : طريقًا ومسلكًا .


[8537]:زيادة من ر، أ.
[8538]:في ر، أ: "اسمه".
[8539]:في ر: "فالله".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

عادة القرآن عند التعرّض إلى أحوال مَن أظهروا النِّواء للمسلمين أن ينتقل من صفات المنافقين ، أو أهل الكتاب ، أو المشركين إلى صفات الآخرين ، فالمراد من الذين يكفرون بالله ورسله هنا هم اليهود وَالنصارى ، قاله أهل التفسير . والأظهر أنّ المراد به اليهود خاصّة لأنّهم المختلطون بالمسلمين والمنافقين ، وكان كثير من المنافقين يهوداً وعبّر عنهم بطريق الموصول دون الاسم لما في الصلة من الإيماء إلى وجه الخير ، ومن شناعة صنيعهم ليناسب الإخبار عنهم باسم الإشارة بعد ذلك .

وجُمع الرسل لأنّ اليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام ، والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فجمع الرسل باعتبار مجموع الكفّار ، أو أراد بالجمع الاثنين ، أو أراد بالإضافة معنى الجنس فاستوى فيه صيغة الإفراد والجمع ، لأنّ المقصود ذمّ مَن هذه صفتهم بدون تعيين فريق ، وطريق العرب في مثل هذا أن يعبّروا بصيغة الجموع وإن كان المعرّض به واحداً كقوله تعالى : { أم يحسدون الناس } [ النساء : 54 ] وقوله : { الذين يبْخلون ويأمرون الناس بالبخل } [ النساء : 37 ] { يحكم بها النبيئون الذين أسلموا للذين هادوا } [ المائدة : 44 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَا بال أقوام يشترطون شروطاً " . وجيء بالمضارع هنا للدلالة على أنّ هذا أمر متجدّد فيهم مستمرّ ، لأنَّهم لو كفروا في الماضي ثم رجعوا لما كانوا أحرياء بالذمّ .

ومعنى كفرهم بالله : أنَّهم لمّا آمنوا به ووصفوه بصفات غير صفاته من التجسيم واتّخاذ الصاحبة والولد والحلول ونحو ذلك ، فقد آمنوا بالاسم لا بالمسمّى ، وهم في الحقيقة كفروا بالمسمّى ، كما إذا كان أحد يظنّ أنَّه يعرف فلاناً فقلت له : صفه لي ، فوصفه بغير صفاته ، تقول له : « أنت لا تعرفه » ؛ على أنّهم لمَّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفروا بما جاء به من توحيد الله وتنزيهه عن مماثلة الحوادث ، فقد كفروا بإلهيته الحقّة ، إذ منهم من جسّم ومنهم من ثلّث .

ومعنى قوله : { ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله } أنّهم يحاولون ذلك فأطلقت الإرادة على المحاولة ، وفيه إيذان بأنَّه أمر صعب المنال ، وأنَّهم لم يبلغوا ما أرادوا من ذلك ، لأنّهم لم يزالوا يحاولونه ، كما دلّ عليه التعبير بالمضارع في قوله : { ويريدون } ولو بلغوا إليه لقال : وفرّقوا بين الله ورسله .

ومعنى التفريق بين الله ورسله أنّهم ينكرون صدق بعض الرسل الذين أرسلهم الله ، ويعترفون بصدق بعض الرسل دون بعض ، ويزعمون أنَّهم يؤمنون بالله ، فقد فرّقوا بين الله ورسله إذ نفوا رسالتهم فأبعدوهم منه ، وهذا استعارة تمثيليّة ، شبّه الأمر المتخيّل في نفوسهم بما يضمره مريد التفريق بين الأولياء والأحباب ، فهي تشبيه هيئة معقولة بهيئة معقولة ، والغرض من التشبيه تشويه المشبّه ، إذ قد علم الناس أنّ التفرقة بين المتّصلين ذميمة .

وهذه الآية في معنى الآيات التي تقدّمت في سورة البقرة : { لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [ البقرة : 136 ] ، { لا نفرّق بين أحد من رسله } [ البقرة : 285 ] ، وفي سورة آل عمران { لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [ آل عمران : 84 ] إلاّ أنّ تلك الآيات في التحذير من التفريق بين الرسل ، والآية هذه في التحذير من التفريق بين الله وبعض رسله ، ومآل الجميع واحد : لأنّ التفريق بين الرسل يستلزم التفريق بين الله وبعض رسله . وإضافة الجمع إلى الضمير هنا للعهد لا للعموم بالقرينة ، وهي قوله : { ويقولون نؤمن ببعض } .

وجملة { ويقولون نؤمن ببعض } واقعة في معنى الاستئناف البياني للتفريق بين الله ورسله ، ولكنَّها عطفت ؛ لأنّها شأن خاصّ من شؤونهم ، إذ مدلولها قول من أقوالهم الشنيعة ، ومدلول { يريدون } هيئة حاصلة من كفرهم ، فلذلك حسن العطف باعتبار المغايرة ولو في الجملة ، ولو فصلت لكان صحيحاً .

ومعنى { يقولون نؤمن } الخ أنّ اليهود يقولون : نؤمن بالله وبموسى ونكفر بعيسى ومحمد ، والنصارى يقولون : نؤمن بالله وبموسى وعيسى ونكفر بمحمد ، فآمنوا بالله وبعض رسله ظاهراً وفرّقوا بينه وبين بعض رسله .

والإرادة في قوله { ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلاً } إرادة حقيقية . والسبيل يحتمل أن يراد به سبيل النجاة من المؤخذة في الآخرة توهّماً أنّ تلك حيلة تحقّق لهم السلامة على تقدير سلامة المؤمنين ، أو سبيل التنصّل من الكفر ببعض الرسل ، أو سبيلاً بين دينَين ، وهذان الوجهان الأخيران يناسبان انتقالهم من الكفر الظاهر إلى النفاق ، فكأنّهما تهيئة للنفاق .

وهذا التفسير جار على ظاهر نظم الكلام ، وهو أن يكون حرف العطف مشرِّكاً بين المتعاطفات في حكم المعطوف عليه ، وإذ قد كان المعطوف عليه الأول صلة ل { لذين } ، كان ما عطف عليه صِلات لذلك الموصول وكان ذلك الموصول صاحب تلك الصِّلات كلّها .

ونُسِب إلى بعض المفسّرين أنّه جعل الواوات فيها بمعنى ( أو ) وجعل الموصول شاملاً لِفرق من الكفّار تعدّدت أحوال كفرهم على توزيع الصِّلات المتعاطفة ، فجعلَ المراد بالذين يكفرون بالله ورسله المشركين ، والذين يريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله قوماً أثبتوا الخالق وأنكروا النبوءات كلّها ، والذين يقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض اليهودَ والنصارى . وسكت عن المراد من قوله : { ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً } ، ولو شاء لجعل أولئك فريقاً آخر : وهم المنافقون المتردّدون الذين لم يثبتوا على إيمان ولا على كفر ، بل كانوا بين الحالين ، كما قال تعالى : { مذبذبين بين ذلك } [ النساء : 143 ] . والذي دعاه إلى هذا التأويل أنَّه لم يجد فريقاً جمع هذه الأحوال كلّها على ظاهرها لأنّ اليهود لم يكفروا بالله ورسله ، وقد علمت أنّ تأويل الكفر بالله الكفر بالصفات التي يَستلزم الكفر بها نفي الإلهية .

وهذا الأسلوب نادر الاستعمال في فصيح الكلام ، إذ لو أريد ذلك لكان الشأن أن يقال : والذين يريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله والذين يقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، كما قال :

{ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا } [ الأنفال : 72 ] .