اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ [ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً }*{ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }*{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ]{[10230]}

لما تكلم على طَرِيقَة المُنَافِقِين ، أخَذَ يتكَلَّم على مَذَاهَب اليَهُودِ والنَّصَارى ومناقضاتهم ، وذكر في آخِرِ هذه السُّورَةِ من هذا الجِنْسِ أنْوَاعاً :

أولها : إيمَانهم ببعْضِ الأنبياءِ دون بعضٍ ؛ لأنهم كَفَرُوا بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، فبيَّن أن الكُفْرَ به كُفْرٌ بالكُلِّ ؛ لأن ما مِنْ نَبِيٍّ إلا وقد أمَر قَوْمَه بالإيمانِ بمُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - وبجميع الأنْبِيَاء .

قال المُفَسِّرون{[10231]} : نزلت هذه الآيةٌ في اليَهُودِ ، وذلِك أنَّهُم آمَنُوا بمُوسَى ، والتَّوْرَاة ، وعُزَيْر ، وكَفَرُوا بعيسى ، والإنْجِيل ، وبمُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - ، والقرآن ، { وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } أي : بين الإيمانِ بالكُلِّ وبَيْن الكُفْرِ بالكُلِّ سَبِيلاً ، أي : وَاسِطَة ، وهي{[10232]} الإيمانُ بالبَعْضِ دُون البَعْضِ ، وأشير ب " ذلك " وهو للمُفْرَد ، والمُرَادُ به : البَيِّنَة{[10233]} ، أي : بين الكُفْرِ والإيمانِ ، وقد تَقَدَّم نظيرها في البَقَرَة ، وفي خَبَرِ " إنَّ " قولان :

الأول : أنه مَحْذُوف ، تقديره : جمعوا المخازي .

والثاني : هو قوله : { أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } والأوَّل أحْسَن لوجهين :

أحدهما : أنه أبْلَغُ ؛ لأن الجواب إذا حُذِفَ ذهب الوَهْمُ كُلَّ مَذْهَبٍ ، فإذا ذكر بَقِي مُقْتَصِراً على المَذْكُورِ .

والثاني : أنه رأسُ آيةٍ ، والأحْسَن ألا يكون الخَبَرُ مُنْفَصِلاً عن المُبْتَدأ ، و " بَيْنَ " يجوزُ أن يكونَ مَنْصُوباً ب " يَتَّخِذُوا " ، وأن يكُون مَنْصُوباً بمحْذُوفٍ ؛ إذ هو حَالٌ من " سَبيلاً " .


[10230]:سقط في ب.
[10231]:ينظر: تفسير البغوي 1/494.
[10232]:في أ: وعلى.
[10233]:في أ: التثنية.