التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ( 150 ) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ( 151 ) وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا( 152 ) } .

تعليق على الآية

{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ . . . }الخ

والآيتين التاليتين لها

عبارة الآيات واضحة . وقد تضمنت تقريرا بكون الكافرين حقا المستحقين لعذاب الله هم الذين يكفرون بالله ورسله ، ويريدون أن يفرقوا في الإيمان بهم فيقولون نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم ، وبكون الذين يؤمنون بالله ورسله جميعا بدون تفريق هم المؤمنون حقا للذين يستحقون أجرهم عند الله الغفور الرحيم .

والآيات فصل جديد . وقد يلمح شيء من التناسب الموضوعي بينها وبين الفصل السابق لها وبخاصة الآية الأولى منه أي ( 136 ) وقد يكون هذا سبب وضعها في مكانها إن لم تكن نزلت بعد الآيات السابقة .

ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات ، وكل ما هناك أن الخازن قال : ( قيل إنها نزلت في اليهود ؛ لأنهم يؤمنون بموسى وأنبيائهم وكتبهم ولا يؤمنون بعيسى وإنجيله ومحمد وقرآنه ، وقيل : إنها نزلت في النصارى الذين لا يؤمنون بمحمد والقرآن ) وإن الطبري وابن كثير قالا : إنها في اليهود والنصارى معا ؛ لأن كلا منهم يؤمن ببعض الأنبياء والكتب ويكفر ببعض .

والآيات من حيث المدى تتحمل هذه الأقوال جميعها . غير أن الآيات التالية احتوت حملة على اليهود خاصة لجحودهم رسالة النبي وتحديهم إياه وتكذيبهم وقتلهم الأنبياء ؛ حيث يبدو من ذلك أن بين هذه الآيات وبينها صلة موضوعية ، وأنها جاءت كمقدمة وتمهيد لها .

والآيات مع خصوصية الموقف الذي نزلت بمناسبته تتضمن تقرير مبدأ من مبادئ الإيمان عامة ومبدأ من مبادئ الدين الإسلامي خاصة : فالإيمان بموسى وغيره من الأنبياء دون الإيمان برسالة عيسى بالنسبة لمن عاش في عهد عيسى وبعده لا يجزي عند الله . والإيمان بموسى وعيسى وغيرهما من رسل الله دون الإيمان بمحمد لمن عاش في عهد محمد وبعده لا يجزي عند الله . والإيمان بمحمد لا يجزي إلا مع الإيمان بمن قبله من رسل الله . والدين الحق هو الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم وسلامه ، دون تفريق بين أحد منهم . ومن يكونون على ذلك فهم المؤمنون حقا . وهم المسلمون الذين يؤمنون بجميع أنبياء الله صلوات الله عليهم ورسله وكتبه . وما عداهم فهم عند الله كافرون ، وهناك حديث رواه مسلم عن أبي هريرة خاص بحالة اليهود والنصارى ، وإيجاب إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وتقرير النار مصيرا لغير المؤمنين به يمكن أن يساق في هذا المقام ونصه ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ){[700]} والحديث غير محصور باليهود والنصارى ، وإنما المناسبة هي التي جعلت النبي يذكرها بخاصة في الحديث على ما هو المتبادر ، فالنبي رسول الله إلى الناس جميعا ، فكل من سمع به ولم يؤمن به كافر من أصحاب النار ، وقد جاء في هذا في آيات أخرى منها آية سورة البينة هذه { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية6 } .


[700]:التاج ج 5 ص 30 والمتبادر أن معنى (هذه الأمة) في الحديث الناس الذين وجدوا في عهده وبعده إلى آخر الزمن