فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} (150)

لما فرغ من ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى ؛ لأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فكان ذلك كالكفر بجميع الرسل ، والكتب المنزلة ، والكفر بذلك كفر بالله ، وينبغي حمل قوله : { إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ } على أنه استلزم ذلك كفرهم ببعض الكتب والرسل ، لا أنهم كفروا بالله ورسله جميعاً ، فإن أهل الكتاب لم يكفروا بالله ولا بجميع رسله ، لكنهم لما كفروا بالبعض كان ذلك كفر بالله وبجميع الرسل . ومعنى : { وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُوا بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ } أنهم كفروا بالرسل بسبب كفرهم ببعضهم ، وآمنوا بالله ، فكان ذلك تفريقاً بين الله وبين رسله { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } هم اليهود آمنوا بموسى ، وكفروا بعيسى ومحمد ، وكذلك النصارى آمنوا بعيسى ، وكفروا بمحمد : { وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلك سَبِيلاً } أي : يتخذوا بين الإيمان والكفر ديناً متوسطاً بينهما ، فالإشارة بقوله : { ذلك } إلى قوله نؤمن ونكفر .