المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

7- يعلمون شئون ووسائل عمرانها والتمتع بزخارفها ، وهم عن التزود للآخرة مسرفون في الجهل والغفلة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) . . ثم لا يتجاوزون هذا الظاهر ؛ ولا يرون ببصيرتهم ما وراءه .

وظاهر الحياة الدنيا محدود صغير ، مهما بدا للناس واسعا شاملا ، يستغرق جهودهم بعضه ، ولا يستقصونه في حياتهم المحدودة . والحياة كلها طرف صغير من هذا الوجود الهائل ، تحكمه نواميس وسنن مستكنة في كيان هذا الوجود وتركيبه .

والذي لا يتصل قلبه بضمير ذلك الوجود ؛ ولا يتصل حسه بالنواميس والسنن التي تصرفه ، يظل ينظر وكأنه لا يرى ؛ ويبصر الشكل الظاهر والحركة الدائرة ، ولكنه لا يدرك حكمته ، ولا يعيش بها ومعها . وأكثر الناس كذلك ، لأن الإيمان الحق هو وحده الذي يصل ظاهر الحياة بأسرار الوجود ؛ وهو الذي يمنح العلم روحه المدرك لأسرار الوجود . والمؤمنون هذا الإيمان قلة في مجموع الناس . ومن ثم تظل الأكثرية محجوبة عن المعرفة الحقيقية .

( وهم عن الآخرة هم غافلون ) . . فالآخرة حلقة في سلسلة النشأة ، وصفحة من صفحات الوجود الكثيرة . والذين لا يدركون حكمة النشأة ، ولا يدركون ناموس الوجود يغفلون عن الآخرة ، ولا يقدرونها قدرها ، ولا يحسبون حسابها ، ولا يعرفون أنها نقطة في خط سير الوجود ، لا تتخلف مطلقا ولا تحيد .

والغفلة عن الآخرة تجعل كل مقاييس الغافلين تختل ؛ وتؤرجح في أكفهم ميزان القيم ؛ فلا يملكون تصور الحياة وأحداثها وقيمها تصورا صحيحا ؛ ويظل علمهم بها ظاهرا سطحيا ناقصا ، لأن حساب الآخرة في ضمير الإنسان يغير نظرته لكل ما يقع في هذه الأرض . فحياته على الأرض إن هي إلا مرحلة قصيرة من رحلته الطويلة في الكون . ونصيبه في هذه الأرض إن هو إلا قدر زهيد من نصيبه الضخم في الوجود . والأحداث والأحوال التي تتم في هذه الأرض إن هي إلا فصل صغير من الرواية الكبيره . ولا ينبغي أن يبني الإنسان حكمه على مرحلة قصيرة من الرحلة الطويلة ، وقدر زهيد من النصيب الضخم ، وفصل صغير من الرواية الكبيرة !

ومن ثم لا يلتقي إنسان يؤمن بالآخرة ويحسب حسابها ، مع آخر يعيش لهذه الدنيا وحدها ولا ينتظر ما وراءها . لا يلتقي هذا وذاك في تقدير أمر واحد من أمور هذه الحياة ، ولا قيمة واحدة من قيمها الكثيرة ؛ ولا يتفقان في حكم واحد على حادث أو حالة أو شأن من الشؤون . فلكل منهما ميزان ، ولكل منهما زاوية للنظر ، ولكل منهما ضوء يرى عليه الأشياء والأحداث والقيم والأحوال . . هذا يرى ظاهرا من الحياة الدنيا ؛ وذلك يدرك ما وراء الظاهر من روابط وسنن ، ونواميس شاملة للظاهر والباطن ، والغيب والشهادة ، والدنيا والآخرة ، والموت والحياة ، والماضي والحاضر والمستقبل ، وعالم الناس والعالم الأكبر الذي يشمل الأحياء وغير الأحياء . . وهذا هو الأفق البعيد الواسع الشامل الذي ينقل الإسلام البشرية إليه ؛ ويرفعها فيه إلى المكان الكريم اللائق بالإنسان . الخليفة في الأرض . المستخلف بحكم ما في كيانه من روح الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

وقوله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } أي : أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها ، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها ، وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة ، كأن أحدهم مُغَفّل لا ذهن{[22777]} له ولا فكرة .

قال الحسن البصري : والله لَبَلَغَ {[22778]} من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره ، فيخبرك بوزنه ، وما يحسن أن يصلي .

وقال ابن عباس في قوله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } يعني : الكفار ، يعرفون عمران الدنيا ، وهم في أمر الدين جهال .


[22777]:- في أ "لا ذكر".
[22778]:- في ت، ف، أ: "ليبلغ".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

{ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } ما يشاهدونه منها والتمتع بزخارفها . { وهم عن الآخرة } التي هي غايتها والمقصود منها . { هم غافلون } لا تخطر ببالهم ، و { هم } الثانية تكرير للأولى أو مبتدأ و { غافلون } خبره والجملة خبر الأولى ، وهو على الوجهين مناد على تمكين غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة المبدلة من قوله : { لا يعلمون } تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعضها ظاهرها ، فإن من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها وأسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهرا ، وأما باطنها فإنها مجاز إلى الآخرة ووصلة إلى نيلها وأنموذج لأحوالها وإشعارا بأنه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

وصف تعالى الكفرة الذين لا يعلمون أمر الله وصدق وعده بأنهم إنما { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } ، واخلتف الناس في معنى { ظاهراً } فقالت فرقة معناه بيناً أي ما أدته إليهم حواسهم فكأن علومهم إنما هي علوم البهائم{[9280]} ، وقال ابن عباس والحسن والجمهور : معناه ما فيه الظهور والعلو في الدنيا من إتقان الصناعات والمباني ومظان كسب الأموال والفلاحات ونحو هذا ، وقالت فرقة : معناه ذاهباً زائلاً أي يعلمون أمور الدنيا التي لا بقاء لها ولا عاقبة ومثل هذه اللفظة قول الهذلي :

وعيرها الواشون أني أحبها . . . وتلك شكاة ظاهر عنك عارها{[9281]}

وقال سعيد بن جبير : إن قوله { ظاهراً من الحياة الدنيا } إشارة إلى ما يعلم من قبل الكهنة مما يسترقه الشياطين ، وقال الروماني : كل ما يعلم بأوائل العقول فهو الظاهر وما يعلم بدليل العقل فهو باطن .

قال القاضي أبو محمد : وفيه تقع الغفلة وتقصير الجهال ، ثم وصفهم ب «الغفلة » والإعراض عن أمر الآخرة وكرر الضمير تأكيداً ، وغفلة الكافر هي على الكمال والمؤمن المنهمك في أمور الدنيا التي هي أكبر همه يأخذ من هذه الآية بحظ ، نوّر الله قلوبنا بهداه ، ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنهم قد فكروا فلم تنفعهم الفكرة والنظر إذ لم يكن على سداد ، وقوله تعالى : { في أنفسهم } يحتمل معنيين : أحدهما أن تكون الفكرة في ذواتهم وحواسهم وخلقتهم ليستدلوا بذلك على الخالق المخترع .


[9280]:يعني أنها العلوم التي لا تهتم إلا بما تهتم به البهائم من الأكل والشرب والتناسل.
[9281]:قال أبو ذؤيب الهذلي هذا البيت من قصيدة رثى بها نشيبة بن محرث أحد بني حطيط، ومطلعها: هل الدهر إلا ليلة أو نهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها والواشون: جمع واش، وهو الذي ينم بالإنسان ويسعى، وأصله من الوشي وهو التنميق والتحسين والكذب في الكلام ونشره بين الناس. وقوله: "وتلك وشاة" أي: ذلك التعبير، "ظاهر عنك عارها": أي: زائل عنك وذاهب لا يعلق بك، وهو الشاهد هنا، أي: أن تعييرهم لك لا يلزق بك، بل يبتعد عنك وينبو.