الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

ثم وصف تعالى الكفرةَ الذين لا يعلمون أمر اللّه وصِدْقَ وعدِه بأنهم إنما : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غافلون }

قال صاحب «الكلم الفارقية » الدنيا طَبَقٌ مسموم ، لا يعرف ضرره إلا أربابُ الفهوم ، قوةُ الرغبة في الدنيا علامة ضعفها في الآخرة ، بحسب انصرافُ الرغبةِ إلى الشيء ، يجدُّ الراغبُ في طلبه ، وتتوفَّرُ دواعيه على تحصيلهِ ، المطلوبات تُظهر وتبيِّنُ أقدارَ طُلاَّبها ، فمن شَرُفَتْ همَّتُهُ شَرُفَتْ رغبته ، وعزت طلبته ، يا غافل ، سكر حبك لدنياك ، وطول مُتابعتِكَ لَغاوِي هواك ، أنساك عظمةَ مولاك ، وَثَنَاكَ عن ذكره وألهاك ، وَصَرَفَ وجه رغبتك عن آخرتك إلى دنياك ، إنْ كنت من أَهل الاستِبْصَار ، فألقِ ناظرَ رغبتك عن زخارف هذه الدار فإنها مجمعُ الأكدار ، ومنبَعُ المضار ، وسِجْنُ الأَبرار ، ومجلس سرور الأشرار ، الدنيا كالحيةِ تجمع في أنيابها ، سُمُومَ نَوَائِبِها ، وتفرغه في صميمِ قلوب أبنائها ، انتهى .

قال عياض في الشفا ، قال أبو العباس المبرِّد رحمه اللّه قَسَّم كِسرى أيامَه ، فقال : يَصْلُحُ يَوْمَ الريح للنوم ، ويومُ الغَيْم للصيد ، ويوم المطر للشُّرْب واللهو ، ويوم الشمس للحوائج ، قال ابن خَالَوَيْهِ : ما كان أعرفَهم بسياسة دنياهم .

{ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غافلون } [ الروم : 7 ] .

لكنْ نبينَا محمداً صلى الله عليه وسلم جزأها ثلاثةَ أجزاء : جزءاً للَّه تعالى ، وجزءاً لأهله ، وجزءاً لنفسه . ثم جزَّأ جزءه بينه وبين الناس فكان يستعين بالخاصة على العامة وَيَقُولُ : ( أَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ إبْلاَغِي فَإنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ ، أَمَّنَهُ اللّهُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ ) انتهى . والمؤمن المنهمك في أمور الدنيا التي هي أكبر همه ، يأخذ من هذه الآيةِ بخط نوَّر اللّهُ قلوبَنا بهداه .