فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ( 7 ) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ( 8 ) }

{ يعلمون } بدل من لا يعلمون ، وهذا أحسن من قول الحوفي : إنها مستأنفة من حيث المعنى ، إلا أن الصناعة لا تساعد عليه ، لأن بدل فعل مثبت من فعل منفي لا يصح ، والضمير للأكثر وكذا يقال فيما بعده ، وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل ، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا .

{ ظاهرا من الحياة الدنيا } أي ظاهر ما يشاهدونه من زخارف الدنيا وملاذها ، وأمر معاشهم وأسباب تحصيل فوائدهم الدنيوية . وقيل : هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع . وقيل الظاهر الباطل ، وقيل : يعني معايشهم كيف يكسبون ، ويتجرون ، ومتى يغرسون ، ومتى يزرعون ، ومتى يحصدون .

قال الحسن : إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه لا يخطئ وهو لا يحسن يصلي . وقيل : يعلمون وجودها الظاهر ولا يعلمون فناءها ، وقيل : ولا يعلمون الدنيا بحقيقتها إنما يعلمون ظاهرها ، وهو ملاذها وملاعبها ، ولا يعلمون باطنها ، وهو مضارها ومتاعبها . وأفادت الآية الكريمة أن للدنيا ظاهرا و باطنا ، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها ، وباطنها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة ، وبالأعمال الصالحة ، وتنكير الظاهر ، يفيد أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهرها .

{ وهم عن الآخرة } التي هي النعمة الدائمة واللذة الخالصة { هم غافلون } لا يلتفتون إليها ولا يعدون لها ما يحتاج إليه ؛ أو غافلون عن الإيمان بها ، والتصديق بمجيئها ، وفيه أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرها ، وإعادة لفظ ( هم ) الثانية للتأكيد .