السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

وقوله تعالى : { يعلمون } بدل من قوله تعالى { لا يعلمون } وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه ليعلمه أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يجاوز الدنيا { ظاهراً من الحياة الدنيا } يفيد أن للدنيا ظاهراً وباطناً : فظاهرها : ما يعرفه الجهال من أمر معايشهم كيف يكسبون ويتجرون ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون وكيف يبنون ويعرشون ، قال الحسن : إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه وهو لا يخطئ ، وهو لا يحسن يصلي . وأمثال هذا العلم كثير وهو وإن كان عند أهل الدنيا عظيماً فهو عند الله حقير فلذلك حقره لأنهم ما زادوا فيه على أن ساووا البهائم في إدراكها ما ينفعها فتستجلبه بضروب من الحيل ، وما يضرها فتدفعه بأنواع من الخداع ، وأما علم باطنها : وهو أنها مجاز إلى الآخرة يتزوّد منها بالطاعة فهو ممدوح ، وفي تنكير الظاهر إشارة إلى أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً من جملة ظواهرها { وهم } أي : هؤلاء الموصوفون خاصة { عن الآخرة } أي : التي هي المقصودة بالذات ، وما خلقت الدنيا إلا للتوصل بها إليها ليظهر الحكم بالقسط وجميع صفات العز والكبر والجلال والإكرام { هم غافلون } أي : في غاية الاستغراق والإضراب عنها بحيث لا تخطر في خواطرهم .

تنبيه : هم الثانية يجوز أن تكون مبتدأً ، وغافلون خبره ، والجملة خبر هم الأولى ، وأن تكون تكريراً للأولى ، { وغافلون } خبراً للأولى ، وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرّها ومعلمها ، وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع .