( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ) . .
ولقد كانت هذه هي الحجة التي ألهمها الله إبراهيم ليدحض بها حجتهم التي جاءوا بها يجادلونه . ولقد كشف لهم عن وهن ما هم عليه من تصورهم أن هذه الآلهة تملك أن تسيء إليه . . وواضح أنهم ما كانوا يجحدون وجود الله ؛ ولا أنه هو صاحب القوة والسلطان في الكون ، ولكنهم كانوا يشركون به هذه الآلهة . فلما واجههم إبراهيم ، بأن من كان يخلص نفسه لله لا يخاف من دونه ، فأما من يشرك بالله فهو أحق بالمخافة . . لما واجههم بهذه الحجة التي آتاها الله له وألهمه إياها ، سقطت حجتهم ، وعلت حجته ، وارتفع إبراهيم على قومه عقيدة وحجة ومنزلة . . وهكذا يرفع الله من يشاء درجات . متصرفا في هذا بحكمته وعلمه :
وقوله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ } أي : وجهنا حجته على قومه .
قال مجاهد وغيره : يعني بذلك قوله : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ [ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ] }{[10945]} وقد صدقه الله ، وحكم له بالأمن والهداية فقال : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } ثم قال بعد ذلك كله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ }
قرئ بالإضافة وبلا إضافة ، كما في سورة يوسف ، وكلاهما قريب في المعنى .
وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } أي : حكيم في أفعاله وأقواله { عَلِيمٌ } أي : بمن يهديه ومن يضله ، وإن قامت عليه الحجج والبراهين ، كما قال : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96 ، 97 ] ؛ ؛ ولهذا قال هاهنا :
{ وتلك } إشارة إلى ما احتج به إبراهيم على قومه من قوله : { فلما جن عليه الليل } إلى قوله : { وهم مهتدون } أو من قوله : { أتحاجوني } إليه . { حجتنا آتيناها إبراهيم } أرشدناه إليها أو علمناه إياها . { على قومه } متعلق ب{ حجتنا } إن جعل خبر تلك وبمحذوف إن جعل بدله أي : آتيناها إبراهيم حجة على قومه . { نرفع درجات من نشاء في العلم والحكمة . وقرأ الكوفيون ويعقوب بالتنوين . { إن ربك حكيم } في رفعه وخفضه . { عليم } بحال من يرفعه واستعداده له .
وهو خبر من الله تعالى { وتلك } إشارة إلى هذه الحجة المتقدمة وهي رفع بالابتداء و { حجتنا } خبره و { آتيناها } في موضع الحال ، ويجوز أن تكون { حجتنا } بدلاً من تلك وآتيناها خبر «تلك » «وإبراهيم » مفعول ب «آتيناها » والضمير مفعول أيضاً ب { آتيناها } مقدم و { على } متعلقة بقوله { حجتنا } وفي ذلك فصل كثير ، ويجوز أن تتعلق على ب «آتيناها » على المعنى إذ أظهرناها لإبراهيم على قومه ونحو هذا ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «نرفع درجاتِ من نشاء » بإضافة الدرجات إلى { من } ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «نرفع درجاتٍ من نشاء »{[4997]} .
قال القاضي أبو محمد : وهما مأخذان من الكلام ، والمعنى المقصود بهما واحد ، و { درجات } على قراءة من نون نصب على الظرف ، و { عليم حكيم } صفتان تليق{[4998]} بهذا الموضع إذ هو موضع مشيئة واختيار فيحتاج ذلك إلى العلم والإحكام ، والدرجات أصلها في الأجسام ثم تستعمل في المراتب والمنازل المعنوية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.