والاستفهام التالي عن حقيقة وجودهم ، هم أنفسهم ، وهي حقيقة قائمة لا مفر لهم من مواجهتها ، ولا سبيل لهم إلى تفسيرها بغير ما يقوله القرآن فيها ، من أن لهم خالقا أوجدهم هو الله سبحانه . وهو موجود بذاته . وهم مخلوقون .
( أم خلقوا من غير شيء ? أم هم الخالقون ? ) . .
ووجودهم هكذا من غير شيء أمر ينكره منطق الفطرة ابتداء ؛ ولا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل . أما أن يكونوا هم الخالقين لأنفسهم فأمر لم يدعوه ولا يدعيه مخلوق . وإذا كان هذان الفرضان لا يقومان بحكم منطق الفطرة ، فإنه لا يبقى إلا الحقيقة التي يقولها القرآن . وهي أنهم جميعا من خلق الله الواحد الذي لا يشاركه أحد في الخلق والإنشاء ؛ فلا يجوز أن يشاركه أحد في الربوبية والعبادة . . وهو منطق واضح بسيط .
هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية ، فقال تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } أي : أوجدوا من غير موجد ؟ أم هم أوجدوا أنفسهم ؟ أي : لا هذا ولا هذا ، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا .
قال البخاري : حدثنا الحُمَيديّ ، حدثنا سفيان قال : حدثوني عن الزهري ، عن محمد بن جبير ابن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ . أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ } كاد قلبي أن يطير {[27522]} .
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق ، عن الزهري ، به {[27523]} . وجبير بن مطعم كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في فداء الأسارى ، وكان إذ ذاك مشركا ، وكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.