المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (42)

42- واذكر - أيها النبي - إذ قالت الملائكة : يا مريم إن الله اختارك لتكوني أم نبيه ، وطهرك من كل دنس ، وخصك بأمومتك لعيسى بفضل على كل نساء العالمين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (42)

33

وكأنما كانت هذه الخارقة تمهيدا - في السياق - لحادث عيسى الذي انبثقت منه كل الأساطير والشبهات . . وإن هو إلا حلقة من سلسلة في ظواهر المشيئة الطليقة . . فهنا يبدأ في قصة المسيح عليه السلام . وإعداد مريم لتلقي النفخة العلوية بالطهارة والقنوت والعبادة . .

( وإذ قالت الملائكة : يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين . يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) . .

وأي اصطفاء ؟ ! وهو يختارها لتلقي النفخة المباشرة ، كما تلقاها أول هذه الخليقة : " آدم " ؟ وعرض هذه الخارقة على البشرية من خلالها وعن طريقها ؟ إنه الاصطفاء للأمر المفرد في تاريخ البشرية . . وهو بلا جدال أمر عظيم . .

ولكنها - حتى ذلك الحين - لم تكن تعلم ذلك الأمر العظيم !

والإشارة إلى الطهر هنا إشارة ذات مغزى . وذلك لما لابس مولد عيسى - عليه السلام - من شبهات لم يتورع اليهود أن يلصقوها بمريم الطاهرة ، معتمدين على أن هذا المولد لا مثال له في عالم الناس فيزعموا أن وراءه سرا لا يشرف . . قبحهم الله ! !

وهنا تظهر عظمة هذا الدين ؛ ويتبين مصدره عن يقين . فها هو ذا محمد [ ص ] رسول الإسلام الذي يلقى من أهل الكتاب - ومنهم النصارى - ما يلقى من التكذيب والعنت والجدل والشبهات . . ها هو ذا يحدث عن ربه بحقيقة مريم العظيمة وتفضيلها على " نساء العالمين " بهذا الإطلاق الذي يرفعها إلى أعلى الآفاق . وهو في معرض مناظرة مع القوم الذين يعتزون بمريم ، ويتخذون من تعظيمها مبررا لعدم إيمانهم بمحمد وبالدين الجديد !

أي صدق ؟ وآية عظمة ؟ وأية دلالة على مصدر هذا الدين ، وصدق صاحبه الأمين !

إنه يتلقى " الحق " من ربه ؛ عن مريم وعن عيسى عليه السلام ؛ فيعلن هذا الحق ، في هذا المجال . . ولو لم يكن رسولا من الله الحق ما أظهر هذا القول في هذا المجال بحال !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (42)

هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم ، عليها السلام ، عن أمر الله لهم بذلك : أن الله قد اصطفاها ، أي : اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهرها من الأكدار والوسواس{[5004]} واصطفاها ثانيًا مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين .

قال عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب في قوله : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ } قال : كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُ نِسَاءٍ رَكبْن الإبلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ ، أحْناهُ عَلَى وَلَدٍ في صِغَرِهِ ، وأرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ ، ولمَْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ " . لم يخرجوه من هذا الوجه ، سوى مسلم فإنه رواه عن محمد بن رافع وعبد بن حُمَيد{[5005]} كلاهما عن عبد الرزاق{[5006]} به .

وقال هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث هشام ، به مثله{[5007]} .

وقال الترمذي : حدثنا أبو بكر بن زَنْجَوِيْه ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا{[5008]} مَعْمَر ، عن قتادة ، عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قَالَ حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ . " تفرد به الترمذي وصححه{[5009]} .

وقال عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه قال : كان ثابت البُنَاني يحدث عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أرْبَع ، مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بَنْتُ رَسُولِ اللهِ [ صلى الله عليه وسلم ]{[5010]} رواه ابن مردويه{[5011]} .

وروى ابن مردويه من طريق شعبة ، عن معاوية بن قُرَّة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا ثَلاث : مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " {[5012]} .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا آدم العسقلاني ، حدثنا شُعْبة ، حدثنا عمرو بن مُرَّة ، سمعت مُرَّة الهَمْداني بحديث عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ " . وقد أخرجه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن شعبة به{[5013]} ولفظ البخاري : " كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَإنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " .

وقد استقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في قصة عيسى ابن مريم{[5014]} عليهما السلام ، في كتابنا : " البداية والنهاية " ولله الحمد والمنة{[5015]} .


[5004]:في أ: "الوساوس".
[5005]:في ر: "عبد الحميد".
[5006]:عبد الرزاق في تفسيره (1/128) ومسلم في صحيحه برقم (200) ورواه البخاري في صحيحه برقم (5082) من وجه آخر: فرواه عن ابن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.
[5007]:صحيح البخاري برقم (3815)، (3432) وصحيح مسلم برقم (2430).
[5008]:في أ: "عن".
[5009]:سنن الترمذي برقم (3878).
[5010]:زيادة من جـ، أ.
[5011]:ورواه ابن عدي في الكامل (4/217) من طريق عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه قال: كان ثابت البناني فذكره. وقال ابن عدي بعد ما ساق له هذا الحديث: "لا يتابع في بعض حديثه".وقد توبع فرواه الخطيب في تاريخ بغداد (9/404) من طريق عبد الرحمن بن سعد حدثنا أبو جعفر الرازي عن أبي عبد الرحمن محمد بن سعيد عن ثابت به، وأبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان متكلم فيه، لكن روي عن أنس من وجه آخر، فرواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس به. مصنف عبد الرزاق (11/430) ومن طريقه ابن حبان في صحيحه برقم (2222) "موارد".
[5012]:وقد ذكره الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (2/56).
[5013]:تفسير الطبري (6/397) ورواه البخاري في صحيحه برقم (3411)، (3433) ومسلم برقم (2431) والترمذي برقم (1834) والنسائي في الكبرى برقم (8356) وابن ماجة في السنن برقم (3280).
[5014]:في جـ، ر، أ، و: "عيسى ومريم".
[5015]:البداية والنهاية (2/55 - 57).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (42)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَمَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : والله سميع عليم { إذْ قالتِ امْرَأةُ عِمْرَانَ رَبّ إنّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرّرا } ، { وَإذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنّ اللّهَ اصْطَفاكِ } .

ومعنى قوله : { اصْطَفاكِ } اختارك واجتباك لطاعته ، وما خصك به من كرامته . وقوله : { وَطَهّرَكِ } يعني : طهر دينك من الريب والأدناس التي في أديان نساء بني آدم . { وَاصْطَفاكِ على نِساءِ العَالَمِينَ } يعني : اختارك على نساء العالمين في زمَانك بطاعتك إياه ، ففضلك عليهم . كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «خَيْرُ نِسائِها مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَخَيْرُ نِسائها خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ » يعني بقوله : خير نسائها : خير نساء أهل الجنة .

حدثني بذلك الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا محاضر بن المورّع ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : سمعت عليا بالعراق ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «خَيْرُ نِسائها مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَخَيْرُ نِسائها خَدِيجَةُ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني المنذر بن عبد الله الخزامي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «خَيْرُ نِساءِ الجَنّةِ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَخَيْرُ نِساءِ الجَنّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { وَإذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطفاكِ على نِساءِ العالَمِينَ } ذكر لنا أن نبيّ الله ، كان يقول : «حَسْبُكَ بِمَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ ، وَامْرَأَةِ فِرْعَوْنَ ، وَخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، وَفاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمّدٍ مِنْ نِساءِ العالَمِينَ » . قال قتادة : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ صَوَالِحُ نِساءِ قُرَيْشٍ ، أحْناهُ على وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ ، وأرْعاهُ على زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ » . قال قتادة : وذكر لنا أنه كان يقول : «لَوْ عَلِمْتُ أنّ مَرْيَمَ رَكِبَتِ الإبِلَ ما فَضّلْتُ عَلَيْهَا أحَدا » .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { يا مَرْيَمُ إنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ على نِساءِ العَالَمِينَ } قال : كان أبو هريرة يحدّث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ صُلّحُ نِساءِ قُرَيْشٍ أحْناهُ على وَلَدٍ وأرْعاهُ لِزَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ » قال أبو هريرة : ولم تركب مريم بعيرا قط .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه قوله : { وَإذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ على نِساءِ العالَمِينَ } قال : كان ثابت البناني يحدّث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «خَيْرُ نِساءِ العالَمِينَ أرْبَعٌ : مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمّدٍ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا عمرو بن مرّة ، قال : سمعت مرّة الهمداني يحدّث عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَمُلَ مِنَ الرّجالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النّساءِ إلاّ مَرْيَمُ وآسِيَةُ امْرأةُ فِرْعَوْنَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمّدٍ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو الأسود المصري ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان ، أن فاطمة بنت حسين بن عليّ حدثته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وأنا عند عائشة ، فناجاني ، فبكيت ، ثم ناجاني ، فضحكت ، فسألتني عائشة عن ذلك ، فقلت : لقد عجلتِ ، أخبرك بسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فتركتني ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سألتها عائشة ، فقالت : نعم ، ناجاني فقال : «جِبْرِيلُ كانَ يُعارِضُ القُرْآنَ كُلّ عامٍ مَرّةً ، وَإنّهُ قَدْ عارَضَ القُرْآنَ مَرّتَيْنِ ، وَإنّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيّ إلاّ عُمّرَ نِصْفُ عُمْرِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ ، وَإنّ عِيسىَ أخِي كانَ عُمْرُهُ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ ، وَهَذِهِ لِي سِتّونَ ، وأحْسِبُنِي مَيّتا فِي عامِي هَذَا ، وَإنّهُ لَمْ تُرْزأ امْرأةٌ مِنْ نِساءِ العَالَمِينَ بِمِثْلِ مَا رُزِئْتِ ، وَلا تَكُونِي دُونَ امْرأةٍ صَبْرا » . قالت : فبكيت ، ثم قال : «أَنْتِ سَيّدَةُ نِساءِ أهْلِ الجَنّةِ إلاّ مَرْيَمَ البَتُولَ » فتُوفي عامه ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو الأسود ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن الحارث ، أن أبا زياد الحميريّ حدثه ، أنه سمع عمار بن سعد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فُضّلَتْ خَدِيجَةُ على نِساءِ أُمّتِي كَما فُضّلَتْ مَرْيَمُ عَلى نِساءِ العَالَمِينَ » .

وبمثل الذي قلنا في معنى قوله : { وَطَهّرَكِ } : أنه وطهر دينك من الدنس والريب ، قال مجاهد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { إنّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَطَهّرَكِ } قال : جعلك طيبة إيمانا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَاصْطَفاكِ على نِساءِ العالَمِينَ } قال : ذلك للعالمين يومئذ .

وكانت الملائكة فيما ذكر ابن إسحاق تقول ذلك لمريم شفاها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، قال : كانت مريم حبيسا في الكنيسة ، ومعها في الكنيسة غلام اسمه يوسف ، وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيرا حبيسا ، فكانا في الكنيسة جميعا ، وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف ، أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المفازة التي فيها الماء الذي يستعذبان منه ، فيملآن قلتيهما ، ثم يرجعان إلى الكنيسة ، والملائكة في ذلك مقبلة على مريم : { يا مَرْيَمُ إنّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفاكِ على نِساءِ العَالَمِينَ } فإذا سمع ذلك زكريا ، قال : إن لابنة عمران لشأنا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (42)

عطف على جملة { إذْ قالت امرأةُ فرعون } . انتقال من ذِكر أمّ مريم إلى ذكر مريم .

ومريم عَلَم عبراني ، وهو في العبرانية بكسر الميم ، وهو اسم قديم سميت به أخت موسى عليه السلام ، وليس في كتب النصارى ذكر لاسم أبي مريم أمِّ عيسى ولا لمولدها ولكنها تبتدىء فجأة بأنّ عذراء في بلد الناصرة مخطوبة ليوسف النجار ، قد حملت من غير زوج .

والعرب يطلقون اسم مريم على المرأة المترجّلة التي تكثر مجالسة الرجال كما قال رؤبة : قلت لزِير لَمْ تصله مريمهْ .

( والزير بكسر الزاي الذي يكثر زيارة النساء ) وقال في « الكشاف » : مريم في لغتهم أي لغة العبرانيين بمعنى العابدة .

وتكرّر فعل { اصطفاك } لأنّ الاصطفاء الأول اصطفاء ذاتي ، وهو جعلها منزّهة زكية ، والثاني بمعنى التفضيل على الغير . فلذلك لم يُعَدّ الأول إلى متعلّق . وعدُيّ الثاني . ونساء العالمين نساء زمانها ، أو نساء سائر الأزمنة . وتكليم الملائكة والاصطفاء يدلان على نبوءتها والنبوءة تكون للنساء دون الرسالة .