{ وإذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك } لما فرغ من قصة زكريا ، وكان قد استطرد من قصة مريم إليها ، رجع إلى قصة مريم ، وهكذا عادة أساليب العرب ، متى ذكروا شيئاً استطردوا منه إلى غيره ثم عادوا إلى الأول إن كان لهم غرض في العود إليه ، والمقصود تبرئة مريم عن ما رمتها به اليهود ، وإظهار استحالة أن يكون عيسى إلهاً ، فذكر ولادته .
وظاهر قوله الملائكة أنه جمع من الملائكة وقيل : المراد جبريل ومن معه من الملائكة ، لأنه نقل أنه : لا ينزل لأمر إلاَّ ومعه جماعة من الملائكة وقيل : جبريل وحده .
وقرأ ابن مسعود ، وعبد الله بن عمرو : وإذ قال الملائكة ، وفي نداء الملائكة لها باسمها تأنيس لها وتوطئة لما تلقيه إليها ومعمول القول الجملة المؤكدة : بإن .
والظاهر مشافهة الملائكة لها بالقول قال الزمخشري : روي أنهم كلموها شفاهاً معجزة لزكريا ، أو إرهاصاً لنبوّة عيسى . انتهى .
يعني : بالارهاص التقدّم ، والدلالة على نبوّة عيسى وهذا مذهب المعتزلة ، لأن الخارق للعادة عندهم لا يكون على يد غير نبي إلاَّ إن كان في وقته نبي ، أو انتظر بعث نبي ، فيكون ذلك الخارق مقدمة بين يدي بعثة ذلك النبي .
{ وطهرك } التطهير هنا من الحيض ، قاله ابن عباس قال السدي : وكانت مريم لا تحيض .
وقال قوم : من الحيض والنفاس وروي عن ابن عباس : من مس الرجال وعن مجاهد : عما يصم النساء في خلق وخلق ودين ، وعنه أيضاً : من الريب والشكوك .
{ واصطفاك على نساء العالمين } قيل : كرر على سبيل التوكيد والمبالغة وقيل : لا توكيد إذ المراد بالاصطفاء الأول اصطفاء الولاية ، وبالثاني اصطفاء ولادة عيسى ، لأنها بولادته حصل لها زيادة اصطفاء وعلو منزلة على الأكفاء وقيل : الاصطفاء الأول : اختيار وعموم يدخل فيه صوالح من النساء ، والثاني : اصطفاء على نساء العالمين .
وقيل : لما أطلق الاصطفاء الأول بيّن بالثاني أنها مصطفاة على النساء دون الرجال وقال الزمخشري : اصطفاك أوّلاً حين تقبلك من أمّك ورباك ، واختصك بالكرامة السنية ، وطهرك مما يستقذر من الأفعال ، ومما قذفك به اليهود ، واصطفاك آخراً على نساء العالمين بأن وهب لك عيسى من غير أب ، ولم يكن ذلك لأحد من النساء .
وهو كلام حسن ، ويكون : نساء العالمين ، على قوله عاماً ، ويكون الأمر الذي اصطفيت به من أجله هو اختصاصها بولادة عيسى وقيل : هو خدمة البيت وقيل : التحرير ولم تحرر أنثى غير مريم وقيل : سلامتها من نخس الشيطان وقيل : نبوتها ، فإنه قيل إنها نبئت ، وكانت الملائكة تظهر لها وتخاطبها برسالة الله لها ، وكان زكريا يسمع ذلك ، فيقول : إن لمريم لشأناً .
والجمهور على أنه لم ينبأ امرأه ، فالمعنى الذي اصطفيت لأجله مريم على نساء العالمين هو شيء يخصها ، فهو اصطفاء خاص إذ سببه خاص وقيل : نساء العالمين ، خاص بنساء عالم زمانها ، فيكون الاصطفاء إذ ذاك عاماً ، قاله ابن جريج .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « خير نساء الجنة مريم بنت عمران » وروي : « خير نسائها مريم بنت عمران » وروي : « خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد » وروي : « فضلت خديجة على نساء أمّتي كما فضلت مريم على نساء العالمين » وروي : أنها من الكاملات من النساء .
وقد روي في الأحاديث الصحاح تفضيل مريم على نساء العالمين ، فذهب جماعة من المفسرين إلى ظاهر هذا التفضيل قال بعض شيوخنا : والذي رأيت ممن اجتمعت عليه من العلماء ، أنهم ينقلون عن أشياخهم : أن فاطمة أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات لأنها بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.