فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (42)

{ وإذ قالت الملائكة } -تتمة لشرح أحكام اصطفاء آل عمران ووقعت قصة زكريا ويحيى عليهما السلام في البين لما فيها مما يؤكد ذلك الاصطفاء ، { وإذ } في المشهور منصوب باذكر –مقدرة- والجملة معطوفة على الجملة السابقة عطف القصة على القصة ، وبينهما كمال المناسبة لأن تلك مسوقة أولا وبالذات لشرح حال الأم وهذه لشرح حال البنت{[957]} ، والأولى أن يكون المراد بالملائكة ههنا جبريل عليه السلام ويشهد لهذا قول الحق سبحانه { . . . فأرسلنا إليه روحنا . . }{[958]} ، ومعلوم أن جبريل عليه السلام سمي بذلك لأنه كان ينزل بوحي الله تعالى على أنبيائه وفي الوحي حياة الروح .

{ يا مريم {[959]} إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } ، { اصطفاك } اختارك ويمكن أن يراد بالاصطفاء الأول ما اتفق لها أول أمرها فقد قبل الله تعالى تحريرها لخدمة البيت المقدس مع كونها أنثى وكان رزقها من عند الله وكفلها زكريا وسمعت كلام ملك الوحي إلى غير ذلك من أنواع اللطف ، { وطهرك } -وأما التطهير فتطهيرها عن الكفر والمعصية كما قال في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته : { . . ويطهركم تطهيرا }{[960]} وعن مسيس الرجال . . وعن الأفعال الذميمة والأقوال القبيحة . وأما الاصطفاء الثاني فهو ما اتفق لها في آخر عمرها من ولادة عيسى بغير أب وشهادته ببراءتها عما قذفها اليهود ، قيل : المراد اصطفاؤها على نساء عالمي زمانها{[961]} .

روى الشيخان{[962]} أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها {[963]} خديجة بنت خويلد ) .


[957]:من روح المعاني.
[958]:من سورة مريم من الآية 17.
[959]:كثير من العلماء ذهب إلى كلام ملك الوحي إليها كان على سبيل النفث في الروع والإلهام كما في حق أم موسى التي قال القرآن الحكيم في شأنها {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه..} من سورة القصص من الآية 7. ومن العلماء من قال كان خطابه إياها كرامة لها أو إرهاصا لعيسى.
[960]:من سورة الأحزاب من الآية 33.
[961]:من تفسير غرائب القرآن.
[962]:يراد بالشيخين هنا البخاري ومسلم رحمهما الله.
[963]:روى عبد الرزاق عن أبي هريرة وأخرجه مسلم بنحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه علة ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط).