الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (42)

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ } : إنْ شِئْتَ جَعَلْتَ هذا الظرفَ نَسَقاً على الظرفِ قبلَه وهو قولُهُ : { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ } وإنْ شِئْتَ جَعَلْته منصوباً بمقدَّر قاله أبو البقاء .

وقرأ عبدُ الله بن مسعود وابن عمر : " وإذ قال الملائكة " دونَ تاءِ تأنيث ، وتوجيهُ ذلك تقدَّم في { فَنَادَاهُ الْمَلائِكَةُ } . ومعمولُ القولِ الجملةُ المؤكَّدَةُ بإنَّ مِنْ قَوْلِهِ : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ } ، وكَرَّر الاصطفاءَ رفعاً مِنْ شأنِهِا .

قال الزمخشري : " اصطفاكِ أولاً حين تَقَبَّلَكِ مِنْ أُمِّك ورَبَّاك واخْتَصَّكِ بالكرامَةِ السَّنِيَّة ، واصطفاكِ آخِراً على نساءِ العالمين بأَنْ وَهَبَ لكِ عيسى من غَيْرِ أَبٍ ولم يكنْ ذلك لأحدٍ من النساء "

واصْطَفَى : افْتَعَلَ من الصَّفْوَة ، أُبْدِلَتْ التاءُ طاءً لأجلِ حرفِ الإِطْبَاقِ وقد تقدَّم تقريرُه في البقرة ، وتقدَّم سببُ تعدِّية ب " على " ، وإن كان أصلُ تعديتِهِ ب " مِنْ " . وقال أبو البقاء : " وكَرَّر اصطفى : [ إمَّا ] توكيداً ، وإمَّا ليبيِّن مَنِ اصطفاها عليهنَّ " ، وقال الواحدي : " وكَرَّر الاصطفاءَ لأنَّ كِلا الاصطفاءين يختلفُ معناهما ، فالاصطفاء الأول عمومٌ يدخُل فيه صوالحُ النساءِ ، والثاني اصطفاء بما اختصَّتْ به من خصائِصِها .