المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

39- أَذِنَ الله للمؤمنين الذين قاتلهم المشركون أن يردوا اعتداءهم عليهم بسبب ما نالهم من ظُلْم صبروا عليه طويلا ، وإن الله لقدير على نصر أوليائه المؤمنين{[134]} .


[134]:{أذن للناس يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}: إن ما ذكر القرآن الكريم من الحكم في الآية "39" سبق به القوانين الوضعية، وهو أن الدفاع عن النفس أمر مشروع مهما كانت نتائجه، وأن المدافع عن نفسه وماله ووطنه، لا يؤاخذ أمام الله وأمام العدالة، ولو قتل نفسا وأزهق أرواحا. إن هذه الآية قررت أن المسلمين مأذون لهم في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدى عليهم. ومن ذلك نأخذ أن حروب المسلمين كانت حروب دفاع لا حروب هجوم، وأنهم أقاموا الإسلام ودعموه بالحجة البينة والأدلة الواضحة.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

وأنه حكم لهم بأحقية دفاعهم وسلامة موقفهم من الناحية الأدبية فهم مظلومون غير معتدين ولا متبطرين :

( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) . .

وأن لهم أن يطمئنوا إلى حماية الله لهم ونصره إياهم : ( وإن الله على نصرهم لقدير ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

قال العَوفي ، عن ابن عباس : نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة .

وقال غير واحد من السلف{[20300]} هذه أول آية نزلت في الجهاد ، واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية ، وقاله مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وغير واحد .

وقال ابن جرير : حدثني يحيى بن داود الواسطي : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم - هو البَطِين - عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس قال : لما أخرج{[20301]} النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم . إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكُن . قال ابن عباس : فأنزل الله عز وجل : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } ، قال أبو بكر ، رضي الله تعالى عنه : فعرفت أنه سيكون قتال .

ورواه الإمام أحمد ، عن إسحاق بن يوسف الأزرق ، به{[20302]} وزاد : قال ابن عباس : وهي أول آية نزلت في القتال .

ورواه الترمذي ، والنسائي في التفسير من سننيهما ، وابن أبي حاتم{[20303]} من حديث إسحاق بن يوسف - زاد الترمذي : ووَكِيع ، كلاهما عن سفيان الثوري ، به . وقال الترمذي : حديث حسن ، وقد رواه غير واحد ، عن الثوري ، وليس فيه ابن عباس{[20304]} .

وقوله : { وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } أي : هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ، ولكن هو يريد من عباده أن يبلوا{[20305]} جهدهم في طاعته ، كما قال : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } [ محمد : 4 - 6 ] ، وقال تعالى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ{[20306]} وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ . وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ التوبة : 14 ، 15 ] ، وقال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ التوبة : 16 ] ، { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ [ اللَّهُ ] {[20307]} الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 142 ] ، وقال : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } [ محمد : 31 ] .

والآيات في هذا كثيرة ؛ ولهذا قال ابن عباس في قوله : { وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وقد فعل .

وإنما شرع [ الله ]{[20308]} تعالى الجهاد في الوقت الأليق به ؛ لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددًا ، فلو أمرَ المسلمين ، وهم أقل من العشر ، بقتال الباقين{[20309]} لشَقَّ عليهم ؛ ولهذا لما بايع أهلُ يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا نيفا وثمانين ، قالوا : يا رسول الله ، ألا نميل على أهل الوادي - يعنون أهل مِنَى - ليالي مِنى فنقتلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لم أومر بهذا " . فلما بَغَى المشركون ، وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ، وهموا بقتله ، وشردوا أصحابه شَذرَ مَذَر ، فذهب{[20310]} منهم طائفة إلى الحبشة ، وآخرون إلى المدينة . فلما استقروا بالمدينة ، ووافاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، واجتمعوا عليه ، وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومَعْقلا يلجؤون إليه - شرع الله جهاد الأعداء ، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك ، فقال تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } .


[20300]:- في ف ، أ : "وقال مجاهد والضحاك وقتادة".
[20301]:- في ت ، ف : "خرج".
[20302]:- زيادة من ف.
[20303]:- في ت : "ماجه".
[20304]:- سنن الترمذي برقم (3171) وسنن النسائي الكبرى برقم (11345).
[20305]:- في ت ، أ : "يبذلوا".
[20306]:- في ت : "بأيديهم".
[20307]:- زيادة من ت ، ف ، أ.
[20308]:- تفسير الطبري (17/123) والمسند (1/216).
[20309]:- في ت : "المنافقين".
[20310]:- في ف : "فذهبت".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى : { أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنّ اللّهَ عَلَىَ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : أَذن الله للمؤمنين الذين يقاتلون المشركين في سبيله بأن المشركين ظلموهم بقتالهم .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة : أُذِنَ بضم الألف ، يُقاتَلُونَ بفتح التاء بترك تسمية الفاعل في «أُذِنَ » و«يُقاتَلُون » جميعا . وقرأ ذلك بعض الكوفيين وعامة قرّاء البصرة : أُذِنَ بترك تسمية الفاعل ، و«يُقاتِلُونَ » بكسر التاء ، بمعنى يقاتل المأذون لهم في القتال المشركين . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين وبعض المكيين : «أَذِنَ » بفتح الألف ، بمعنى : أذن الله ، و«يُقاتِلُونَ » بكسر التاء ، بمعنى : إن الذين أذن الله لهم بالقتال يقاتلون المشركين . وهذه القراءات الثلاث متقاربات المعنى لأن الذين قرءوا أُذِنَ على وجه ما لم يسمّ فاعله يرجع معناه في التأويل إلى معنى قراءة من قرأه على وجه ما سمي فاعله . وإن من قرأ «يُقاتِلونَ ويُقاتَلُونَ » بالكسر أو الفتح ، فقريب معنى أحدهما من معنى الاَخر وذلك أن من قاتل إنسانا فالذي قاتله له مقاتل ، وكل واحد منهما مقاتل . فإذ كان ذلك كذلك فبأية هذه القراءات قرأ القاريء فمصيب الصواب .

غير أن أحبّ ذلك إليّ أن أقرأ به : «أَذِنَ » بفتح الألف ، بمعنى : أذن الله ، لقرب ذلك من قوله : إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ أذن الله في الذين لا يحبهم للذين يقاتلونهم بقتالهم ، فيردّ «أَذنَ » على قوله : إنّ اللّهَ لا يُحِبّ ، وكذلك أحبّ القراءات إليّ في «يُقاتِلُونَ » كسر التاء ، بمعنى : الذين يقاتلون من قد أخبر الله عنهم أنه لا يحبهم ، فيكون الكلام متصلاً معنى بعضه ببعض .

وقد اختُلف في الذين عُنوا بالإذن لهم بهذه الاَية في القتال ، فقال بعضهم : عني به : نبيّ الله وأصحابه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا وَإنّ اللّهَ عَلى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ يعني محمدا وأصحابه إذا أُخرجوا من مكة إلى المدينة يقول الله : فإنّ اللّهَ عَلى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ وقد فعل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جُبير ، قال : لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال رجل : أخرجوا نبيهم فنزلت : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا . . . الاَية ، الّذِينَ أخرِجُوا منْ دِيارِهمْ بغيرِ حقَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكُنّ قال ابن عباس : فأنزل الله : أُذِنَ للّذِينَ يَقاتَلونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا وَإنّ اللّهَ عَلى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال . وهي أوّل آية نزلت .

قال ابن داود : قال ابن إسحاق : كانوا يقرءون : أُذِنَ ونحن نقرأ : «أَذِنَ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسحاق ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال : فقال أبو بكر : قد علمت أنه يكون قتال . وإلى هذا الموضع انتهى حديثه ، ولم يزد عليه .

حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال أبو بكر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ليهلكُنّ جميعا فلما نزلت : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا . . . إلى قوله : الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ عرف أبو بكر أنه سيكون قتال .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا قال : أذن لهم في قتالهم بعد ما عفا عنهم عشر سنين . وقرأ : الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ وقال : هؤلاء المؤمنون .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ .

وقال آخرون : بل عُني بهذه الاَية قوم بأعيانهم كانوا خرجوا من دار الحرب يريدون الهجرة ، فُمِنُعوا من ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا قال : أناس مؤمنون خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة ، فكانوا يمنعون ، فأذن اللّهِ للمؤمنين بقتال الكفار ، فقاتلوهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، في قوله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا قال : ناس من المؤمنين خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة ، وكانوا يمنعون ، فأدركهم الكفار ، فأذن للمؤمنين بقتال الكفار فقاتلوهم . قال ابن جُرَيج : يقول : أوّل قتال أذن الله به للمؤمنين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : في حرف ابن مسعود : «أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ في سَبِيلِ اللّهِ » قال قَتادة : وهي أوّل آية نزلت في القتال ، فأذن لهم أن يقاتلوا .

حدثنا الحَسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا قال : هي أوّل آية أنزلت في القتال ، فأذن لهم أن يقاتلوا .

وقد كان بعضهم يزعم أَن الله إنما قال : أذن للذين يقاتلون بالقتال من أجل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الكفار إذَا آذوهم واشتدّوا عليهم بمكة قبل الهجرة غيلة سرّا فأنزل الله في ذلك : إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ فَلَمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ، أطلق لهم قتلهم وقتالهم ، فقال : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا . وهذا قول ذكر عن الضحاك بن مزاحم من وجه غير ثبت .

وقوله : وَإنّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ يقول جلّ ثناؤه : وإن الله على نصر المؤمنين الذين يقاتلون في سبيل الله لقادر ، وقد نصرهم فأعزّهم ورفعهم وأهلك عدوّهم وأذلهم بأيديهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

{ أذن } رخص ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي على البناء للفاعل وهو الله . { للذين يقاتلون } المشركين والمأذون فيه محذوف لدلالته عليه ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء أي الذين يقاتلهم المشركون . { بأنهم ظلموا } بسبب أنهم ظلموا وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المشركون يؤذونهم وكانوا يأتونه من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم : اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت . وهي أول آية نزلت في القتال بعدما نهي عنه في نيف وسبعين آية . { وإن الله على نصرهم لقدير } وعد لهم بالنصر كما وعد بدفع أذى الكفار عنهم .