اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

قوله : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } . قرأ «أُذِنَ » مبنياً للمفعول نافع وأبو عمرو وعاصم ، والباقون قرأوه مبنياً للفاعل{[31315]} . قال الفراء والزجاج : يعني أذن الله للذين يحرصون على قتال المشركين في المستقبل{[31316]} . وأما «يقاتلون » فقرأه مبنياً للمفعول نافع وابن عامر وحفص ، والباقون مبنياً للفاعل{[31317]} . وحصل من مجموع الفعلين أن نافعاً وحفصاً بنياهما{[31318]} للمفعول . وأن ابن كثير وحمزة والكسائي بنوهما للفاعل ، ( وأن أبا عمرو{[31319]} ) وأبا بكر بنيا الأول للمفعول والثاني للفاعل ، وأن ابن عامر عكس هذا . فهذه أربع رتب والمأذون فيه محذوف للعلم به أي للذين يقاتلون في القتال{[31320]} . و «بأَنَّهُم ظُلِمُوا » متعلق ب «أُذِنَ » ، والباء سببية ، أي بسبب أنهم مظلومون .

فصل{[31321]}

قال المفسرون{[31322]} : كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يزالون يجيئون بين مضروب ومشجوج يشكون ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول لهم : «اصْبِرُوا فَإِنِّي لَمْ أُوْمَرْ بِالقِتَال » حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال ، ونزلت هذه الآية بالمدينة . وقال مقاتل{[31323]} : نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة ، فكانوا يمنعون ، فأذن الله لهم في قتال الكفار الذي يمنعونهم من الهجرة «بأنَّهُم ظُلِمُوا » أي بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء{[31324]} . { وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وهذا وعد منه تعالى بنصرهم ، كما يقول المرء لغيره : إن أطعتني فأنا قادر على مجازاتك ، لا يعني بذلك القدرة بل يريد أنه سيفعل ذلك{[31325]} .


[31315]:فعلى قراءة البناء للمفعول القائم مقام الفاعل "للذين"، والله هو الفاعل. ومن قرأ بالبناء للفاعل فعلى أنهم بنوا الفعل للفاعل المتقدم الذكر، وهو الله جل ذكره. السبعة (437) الكشف 2/120، البحر المحيط 6/373، النشر 2/326، الإتحاف (315).
[31316]:معاني القرآن للفراء 2/227، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/430. بتصرف يسير. والنص بلفظه من الفخر الرازي 23/40.
[31317]:السبعة (437)، الكشف 2/121، النشر 2/326، الإتحاف (315).
[31318]:في ب: بناهما.
[31319]:ما بين القوسين سقط من ب.
[31320]:انظر البحر المحيط 6/373.
[31321]:فصل: سقط من الأصل.
[31322]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/592 – 593.
[31323]:في النسختين: مجاهد.
[31324]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/ 592 – 593.
[31325]:انظر الفخر الرازي 23/40.