فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ( 39 ) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ( 40 ) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( 41 ) } .

{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } قرئ أذن مبنيا للمفعول وللفاعل وكذلك يقاتلون وعلى كلا القراءتين فالإذن من الله سبحانه لعباده المؤمنين بأنهم إذا صلحوا للقتال أو قاتلهم المشركون قاتلوهم ، قال المفسرون : كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بألسنتهم وأيديهم فيشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم : ( اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال ) حتى هاجر فأنزل الله هذه الآية بالمدينة ، وهي أول آية نزلت في القتال بعدما نهى عنه في نيف وسبعين آية ، وقيل نزلت في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة فاعترضهم مشركو مكة ، فأذن الله في قتال الذين يمنعونهم من الهجرة .

وهذه الآية مقررة أيضا لمضمون قوله : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ } فإن إباحة القتال لهم هي من جملة دفع الله عنهم ، والباء في { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } للسببية أي بسبب ما كان يقع عليهم من المشركين من سب وضرب وطرد ثم وعدهم الله سبحانه النصر على المشركين على طريق الرمز والكناية كما وعد بدفع أذى الكفار عنهم فقال :

{ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وفيه تأكيد لما مر من المدافعة أيضا ، أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة ، عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة .

قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكن القوم فنزلت : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } الخ ، وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ،