الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

ثم قال تعالى : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا }[ 37 ] .

أي : أذن الله للذين يقاتلهم المشركون{[46976]} أن يقاتلوهم . ففي الكلام حذف على قراءة من فتح التاء{[46977]} . ومن كسر التاء ، فمعناه : أذن الله للذين يقاتلون المشركين في سبيله بالقتال لظلم المشركين لهم . فثم حذف أيضا .

وقرأ ابن عباس{[46978]} : { يقاتلون } بكسر التاء . وقال : هي أول آية نزلت في القتال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة . وقال : عنى الله بها محمدا وأصحابه إذ أخرجوا من مكة إلى المدينة . يقول الله : { وإن الله على نصرهم لقدير } قال ابن عباس{[46979]} : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة{[46980]} ، قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكن ، فأنزل الله : { أذن للذين يقاتلون . . . }الآية .

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فعرفت أنه سيكون قتال ، وكذلك قال الضحاك .

وقال ابن زيد{[46981]} : أذن لهم في قتالهم بعدما عفا عنهم عشر سنين{[46982]} . وقرأ : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق } وقال : هؤلاء المؤمنين .

وقيل : إن هذه الآية إذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالخروج من مكة وقتال المشركين ، لأن الآية نزلت بمكة ، ويعقبها خرج النبي من مكة إلى المدينة ، ثم يعقب ذلك كانت وقعة بدر ، وهو النصر الذي وعدهم الله في قوله : { وإن الله على نصرهم لقدير } .

ومعنى : بأنهم ظلموا أي : لأنهم ظلموا . فمن أجل الظلم الذي لحقهم أذن لهم في قتال من ظلمهم{[46983]} ، فأخرجهم من ديارهم ووعدهم بالنصر على من ظلمهم بقوله : { وإن الله على نصرهم لقدير } .

وقال مجاهد{[46984]} : الآية مخصوصة ، نزلت في قوم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة/ ، فكانوا يمنعون ، فأذن الله عز وجل للمؤمنين بقتال الكفار فقاتلوهم حين أرادوا ردهم عن الهجرة .

قال مجاهد وقتادة{[46985]} : هي أول آية نزلت في القتال .

وقال الضحاك : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استأذنوه ، في قتال الكفار بمكة{[46986]} قبل الهجرة فأنزل الله : { إن الله لا يحب كل خوان كفور } فلما هاجر رسول الله وأصحابه إلى المدينة ، أطلق الله لهم قتل{[46987]} الكفار وقتالهم فقال : { أذن للذين يقاتلون . . . } الآية . فالآية ناسخة عند الجميع لكل ما في القرآن من الأمر بالصفح عنهم ، والصبر على أذاهم والمنع من قتالهم .

وقال ابن زيد{[46988]} : هذا ناسخ لقوله : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } وخولف في ذلك{[46989]} ، لأن هذا تهدد ووعيد ، فلا ينسخ .

ومعنى : ( بأنهم ظلموا ) بسبب ظلمهم .

ثم قال : { وإن الله على نصرهم لقدير } هذا وعد من الله للمؤمنين بالنصر ، فقد فعل تعالى ذلك بالمؤمنين ، أعزهم ونصرهم ، وأعلى كلمتهم{[46990]} وأهلك{[46991]} عدوهم .


[46976]:ع: المشركين. (خطأ) والتصحيح من ز.
[46977]:قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء، وقرأ الباقون بكسر التاء. انظر: السبعة لابن مجاهد: 437 والكشف 2/121.
[46978]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/404 وزاد المسير 5/436.
[46979]:انظر: الترمذي 5/324 (كتاب التفسير باب رقم 23 وجمع الفوائد 2/548.
[46980]:ز : من مكة إلى المدينة.
[46981]:انظر: جامع البيان 17/172 والدر المنثور 4/364.
[46982]:ز: عشرين سنة. (تحريف).
[46983]:ز: من ظلمهم من المشركين.
[46984]:انظر: جامع 17/173 وزاد المسير 5/436.
[46985]:انظر: جامع البيان 17/173 وتفسير ابن كثير 3/225.
[46986]:بمكة سقطت من ز.
[46987]:ع قتال. والمثبت في النص من ز.
[46988]:انظر: الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2/304 والناسخ والمنسوخ للنحاس: 225.
[46989]:ز: هذا.
[46990]:ز: دينهم.
[46991]:ز: أهان.