فبأي آلاء ربك تتمارى : فبأي نعم ربك تمتري وتشك ، والخطاب للإنسان .
55- { فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى } .
بأي نعم الله أيها الإنسان تجادل أو تكابر ؟ ألم يهلك الشر ؟ ألم يقذف بالحق على الباطل ، فيدمغه فإذا هو زاهق ، ألم يترك فيها آيات لمن يتدبر ويعي ؟
إن هذا الكون في قبضة الله ، وإن للظالمين والباغين يوما عاجلا أو آجلا ، فالله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، لقد تمتع الظالمون بنعم الله ، ثم كذَّبوا رسله وأرخى الله لهم العنان وأمدّهم بالخيرات ، وناقشتهم الرسل وحذّرتهم من عذاب الله ، فاستخفوا بوعيد الله ، وكان في هلاكهم إنصاف للحق والعدل ، وبيان لسنة الله التي لا تتبدل .
قال تعالى : { الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد . ( الفجر : 11-14 ) .
آلاء رَبِّكَ : نِعمه . مفردها إلي بفتح الهمزة وكسرها . تتمارى : تشك .
فبأيّ نِعمِ ربك عليك أيها الإنسانُ ، تشكّ وترتاب ! ! وكما قال تعالى : { يا أيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم ؟ . . . . } [ الإنفطار : 6 ] . إن هذه كلَّها أدلةٌ على وحدانية ربك وربوبيته .
قرأ الجمهور : تتمارى بتاءين . وقرأ يعقوب : تمارى بتاء واحدة .
{ فبأي آلاء ربك } : أي فبأيِّ أَنْعمُ ربك عليك وعلى غيرك أيها الإِنسان .
{ تتمارى } : أي تتشكك أو تكذب .
بعد ذلك العرض العظيم لمظاهر القدرة والعلم والحكمة وكلها مقتضية للربوبية والألوهية لله سبحانه وتعالى خاطب الله تعالى الإِنسان فقال { فبأي آلاء ربك } أي بعد الذي عرضنا عليك في هذه السورة من مظاهر النعم والنقم وكلها في الباطن نعم فبأي آلاء ربك تتمارى أي تشكك أو تكذب ، وكلها ثابتة أمامك لا تقدر على إنكارها وإخفائها بحال من الأحوال .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال: {فبأي آلاء ربك} يعني بأي نعمة ربك {تتمارى} يعني يشك فيها ابن آدم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول:"فَبأيّ آلاءِ رَبّكَ تَتَمارَى "يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعمات ربك يا ابن آدم التي أنعمها عليك ترتاب وتشكّ وتجادل.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} وهذا خطاب للمكذب أي فبأي نعم ربك تشك فيما أولاك وفيما كفاك.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه بأي نعم ربك ترتاب يا بن آدم! -ذكره قتادة- وإنما قيل بعد تعديد النعم "فبأي آلاء ربك تتمارى " لأن النقم التي عددت على من ذكر نعم من الله علينا لما لنا في ذلك من اللطف في الانزجار عن القبيح مع أنه نالهم ما نالهم بكفرهم، فبأي نعم ربك أيها المخاطب تتمارى حتى تكون مقارنا لهم في سلوك بعض مسالكهم، أي فما بقيت لك شبهة بعد تلك الأهوال في جحد نعمه...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{فبأي ألاء ربك تتمارى} مخاطبة للإنسان الكافر، كأنه قيل له: هذا هو الله الذي له هذه الأفاعيل، وهو خالقك المنعم عليك بكل النعم، ففي أيها تشك...
بأي آلاء ربك تتمارى أيها الإنسان، كما قال: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} وقال تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} فإن قيل: المذكور من قبل نعم والآلاء نعم، فكيف آلاء ربك؟ نقول: لما عد من قبل النعم وهو الخلق من النطفة ونفخ الروح الشريفة فيه والإغناء والإقناء، وذكر أن الكافر بنعمه أهلك قال: {فبأي آلاء ربك تتمارى} فيصيبك مثل ما أصاب الذين تماروا من قبل، أو تقول: لما ذكر الإهلاك، قال للشاك: أنت ما أصابك الذي أصابهم وذلك بحفظ الله إياك: {فبأي آلاء ربك تتمارى}...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فبأيّ آلاء ربك} أي عطية المحسن إليك التي هي وجه الإنعام والإكرام وهي إشارة المعرفة به سبحانه بمنزلة ظل الشخص من الشخص كما أنه لا يتصور ظل إلا لشخص فكذلك فعل الفاعل ولا أثر للمؤثر {تتمارى} أي تشك بإجالة الخواطر في فكرك في إرادة هداية قومك بحيث لا تريد أن أحداً منهم يهلك وقد حكم ربك بإهلاك كثير منهم لما اقتضته حكمته، وكان بعض خطرك في تلك الإجالة يشكك بعضاً.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
والمراد بالنعم ما عدده من قبل، وجعلت كلها نعما، وبعضها نقم، لما في النقم من المواعظ والعبر للمعتبرين، من الأنبياء والمؤمنين. والخلاصة: إنها كلها دالة على وحدانية ربك وربوبيته، ففي أيها تتشكك على وضوحها للناظرين، ووجوه دلالتها للمعتبرين؟...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(فبأي آلاء ربك تتمارى؟).. فلقد كانت إذن تلك المصارع آلاء لله وأفضالا. ألم يهلك الشر؟ ألم يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق؟ ألم يترك فيها آيات لمن يتدبر ويعي؟ أليست هذه كلها آلاء. فبأي آلاء ربك تتمارى! الخطاب لكل أحد. ولكل قلب، ولكل من يتدبر صنع الله فيرى النعمة حتى في البلوى!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تفريعُ فذلكةٍ لما ذُكر من أول السورة: مما يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك كقوله: {ما ضل صاحبكم وما غوى} إلى قوله: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 2-18]. ومما يشمله ويشمل غيره من قوله: {وأنه هو أضحك وأبكى} إلى قوله: {هو رب الشعرى} [النجم: 43-49] فإن ذلك خليط من نِعَمٍ وضدها على نوع الإنسان وفي مجموعها نعمة تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته بمنافع الاعتبار بصنع الله. ثم من قوله: {وأنه أهلك عاداً} [النجم: 50] إلى هنا. فتلك نقم من الضالين والظالمين لنصر رسل الله، وذلك نعمة على جميع الرسل ونعمة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم وهي بشارته بأن الله سينصره، فجميع ما عدد من النعم على أقوام والنقم عن آخرين هو نعم محضة للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين...و {أي} اسم استفهام يطلب به تمييز متشارك في أمر يعم بما يميز البعض عن البقية من حال يختص به مستعمل هنا في التسوية كناية عن تساوي ما عُدد من الأمور في أنها نعم على الرسول صلى الله عليه وسلم إذ ليس لواحد من هذه المعدودات نقص عن نظائره في النعمة، فالمعنى أنك لا تحصل لك مِرْيَة في واحدة من آلاء ربك فإنها سواء في الإِنعام، والخطاب بقوله: {ربك} الأظهر أنه للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو المناسب لذكر الآلاء والموافق لإِضافة {رب} إلى ضمير المفرد المخاطب في عُرف القرآن. وجوزوا أن يكون الخطاب في قوله: {فبأي آلاء ربك} لغير معين من الناس، أي المكذبين أي باعتبار أنه لا يخلو شيء مما عدد سابقاً عن نعمة لبعض الناس أو باعتبار عدم تخصيص الآلاء بما سبق ذكره بل المراد جنس الآلاء...
.والمعنى: فبأي آلاء ربك يشككونك...
.أي لا يستطيعون أن يشككوك في حصول آلاء ربك التي هي نعم النبوءة والتي منها رؤيتُه جبريل عند سدرة المنتهى. فالكلام مسوق لتأييس المشركين من الطمع في الكف عنهم. وإن كان الخطاب لغير معين كان {تتمارى} تفاعلاً مستعملاً في المبالغة في حصول الفعل...
ولما أهلك كل واحدة من هذه الفرق فلم يبق من فجارها أحد ، وأنجى من أطاعه منهم فلم يهلك منهم أحد ، وكان إهلاكه لكل منها بشيء غير ما هلك به الفريق الآخر ، فدل كل من ذلك على تمام علمه وكمال قدرته ، وكان كل ما تقدم في هذه السورة من النعم والنقم لكونه كان أتم أوجه الحكم نعمة على كل مؤمن لما فيها من الترغيب في ثوابه والترهيب من عقابه ، خاطب سبحانه رأس المؤمنين لأن خطابه له أشد في تذكير غيره فقال مسبباً عما مضى : { فبأيّ آلاء ربك } أي عطية المحسن إليك التي هي وجه الإنعام والإكرام وهي إشارة المعرفة به سبحانه بمنزلة ظل الشخص من الشخص كما أنه لايتصور ظل إلا لشخص فكذلك فعل الفاعل ولا أثر للمؤثر { تتمارى * } أي تشك بإجالة الخواطر في فكرك في إرادة هداية قومك بحيث لا تريد أن أحداً منهم يهلك وقد حكم ربك بإهلاك كثير منهم لما اقتضته حكمته ، وكان بعض خطرك في تلك الإجالة يشكك بعضاً ،