القول في تأويل قوله تعالى : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة : { يَرْتَعِ ويَلْعَبْ } ، بكسر العين من يرتع وبالياء في يرتع ويلعب ، على معنى : «يفتعل » ، من الرعي : ارتعيت ، فأنا أرتعي . كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى : أرسله معنا غدا يرتع الإبل ، ويلعب . { وَإنّا لَهُ لحَافِظُونَ } .
وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : { أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، بالياء في الحرفين جميعا وتسكين العين ، من قولهم : رتع فلان في ماله : إذا لهى فيه ونعم وأنفقه في شهواته ، ومن ذلك قولهم في مثل من الأمثال : «القَيْدُ والرّتَعَة » ، ومنه قول القطامي :
أكُفْرا بَعْدَ رَدّ المَوْتِ عَنّي *** وبعدَ عَطائِكَ المِئَةَ الرّتاعَا
وقرأ بعض أهل البصرة : { نَرْتَعْ } ، بالنون ، { وَنَلْعَب } ، بالنون فيهما جميعا ، وسكون العين من { نرتع } .
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : كان أبو عمرو يقرأ : { نَرْتَع وَنَلْعَبْ } ، بالنون ، قال : فقلت لأبي عمرو : كيف يقولون : " نلعب " ، وهم أنبياء ؟ قال : لم يكونوا يومئذ أنبياء .
وأولى القراءة في ذلك عندي بالصواب ، قراءة من قرأه في الحرفين كليهما بالياء وبجزم العين في : «يرتعْ » . لأن القوم إنما سألوا إباهم إرسال يوسف معهم ، وخدعوه بالخبر عن مسألتهم إياه ذلك عما ليوسف في إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك ، لا بالخبر عن أنفسهم . وبذلك أيضا جاء تأويل أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، يقول : يسع ، وينشط .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : يلهو ، وينشط ، ويسعى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : ينشط ، ويلهو .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، بنحوه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : يسعى ، ويلهو .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قوله : { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : يتلهى ، ويلعب .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : يتلهى ، ويلعب .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : ينشط ، ويلعب .
قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : { أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } : يلهو .
قال : حدثنا حسين بن عليّ ، عن شيبان ، عن قتادة : { أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : ينشط ، ويلعب .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا نعيم بن ضمضم العامري ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، في قوله : { أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : يسعى ، وينشط .
وكأن الذين يقرءون ذلك : { يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ } ، بكسر العين من يرتعِ ، يتأوّلونه على الوجه الذي :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، قال : يرعى غنمه ، وينظر ، ويعقل ، فيعرف ما يعرف الرجل .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { نَرْتَعِ } : يحفظ بعضنا بعضا ، نتكالأ ، نتحارس .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { نَرْتَعِ } ، قال : يحفظ بعضنا بعضا ، نتكالأ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد . وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن وَرْقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، بنحوه .
فتأويل الكلام : أرسله معنا غدا نلهو ، ونلعب ، وننعم ، وننشط في الصحراء ، ونحن حافظوه من أن يناله شيء يكرهه ، أو يؤذيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.