فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَرۡسِلۡهُ مَعَنَا غَدٗا يَرۡتَعۡ وَيَلۡعَبۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (12)

{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً } أي : إلى الصحراء التي أرادوا الخروج إليها ، و{ غدا } ظرف ، والأصل عند سيبويه غدوة ، قال النضر بن شميل : ما بين الفجر وطلوع الشمس يقال له : غدوة ، وكذا يقال له بكرة { نرتع وَنَلْعَبُ } هذا جواب الأمر . قرأ أهل البصرة وأهل مكة وأهل الشام بالنون وإسكان العين ، كما رواه البعض عنهم . وقرءوا أيضاً بالاختلاس ، وقرأ الباقون بالنون وكسر العين . والقراءة الأولى مأخوذة من قول العرب : رتع الإنسان أو البعير : إذا أكل كيف شاء ، أو المعنى : نتسع في الخصب ، وكل مخصب راتع ، قال الشاعر :

فارعى فزارة لا هناك المرتع *** . . .

ومنه قول الشاعر :

ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت *** فإنما هي إقبال وإدبار

والقراءة الثانية مأخوذة من رعي الغنم . وقرأ مجاهد وقتادة : ( يرتع ويلعب ) بالتحتية فيهما ، ورفع يلعب على الاستئناف ، والضمير ليوسف . وقال القتيبي : معنى { نرتع } نتحارس ونتحافظ ، ويرعى بعضنا بعضاً ، من قولهم : رعاك الله أي : حفظك ، و{ نلعب } من اللعب . قيل لأبي عمرو بن العلاء : كيف قالوا ونلعب وهم أنبياء ؟ فقال : لم يكونوا يومئذٍ أنبياء ، وقيل : المراد به اللعب المباح من الأنبياء ، وهو مجرّد الانبساط ، وقيل هو اللعب الذي يتعلمون به الحرب ، ويتقوّون به عليه كما في قولهم : { إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } لا اللعب المحظور الذي هو ضدّ الحق ، ولذلك لم ينكر يعقوب عليهم لما قالوا : ونلعب ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لجابر : ( فهلاَّ بكراً تلاعبها وتلاعبك ) .

/خ18