قوله : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } في : " يرْتَعْ ويَلعَبْ " أربع عشرة قراءة :
أحدها : قراءة نافع : بالياء من تحت ، وكسر العين .
الثانية : قراءة البزِّي ، عن ابن كثيرٍ : " نَرْتَعِ ونلعب " بالنُّون وكسر العين .
الثالثة : قراءة قنبل ، وقد اختلف عليه ، فنقل عه ثُبُوت الياء بعد العين وصلاً ووقفاً ، وحذفها وصلاً ووقفاً ، فيوافق البزِّي في أحد الوجهين عنه ، فعنه قراءتان .
الخامسة : قراءة أبي عمرو ، وابن عامر : " نَرتَعْ ونَلعَبْ " بالنُّون ، وسكون العين ، والباء .
السادسة : قراءة الكوفيين : " يَرْتَعْ ويَلعبْ " بالياء من تحت وسكون العين والباءِ .
وقرأ جعفر بن محمد : " نَرْتَعْ " بالنُّون ، " ويَلْعَبْ " بالياء ، ورُويت عن ابن كثيرٍ .
وقرأ العلاء بن سيابة : " يَرْتَعِ ويَلْعَبُ " بالياء فيهما ، وكسر العين وضمّ الباء .
وقرأ أبو رجاء كذلك ، إلا أنَّه بالياء من تحت فيهما .
والنخعي ويعقوبك " نَرْتَع " بالنون ، " ويَلْعَب " بالياء .
وقرأ مجاهدٌ ، وقتادةُ ، وابن محيصِن : " يَرْتَعْ ويَلْعَب " بالياء ، والفعلان في هذه القراءات كلها مبنيان للفاعل .
وقرأ زيد بن علي : " يُرْتَع ويُلْعَب " بالياء من تحت فيهما مبنيين للمعفول .
وقرىء : " نَرْتَعِي ونَلْعَبُ " بثبوت الياء ، ورفع الباء .
وقرأ ابن أبي عبلة : " نَرْعَى ونَلْعَب " .
فهذه اربع عشرة قراءة منها ستٌّ في السَّبع المتواتر وثمان في الشواذٍّ .
فمن قرأ بالنُّون ، فقد أسند الفعل إلى إخوة يوسف .
سُئل أبو عمرو بن العلاء : كيف قالوا : نلعب وهم أنبياء ؟ قال : كان ذلك قبل أن يُنَبِّئهُم الله عزَّ وجلَّ .
قال ابن الأعرابي : الرَّتْع : الأكل بشدة ، وقيل : إنه الخَصْبُ .
وقيل : المراد من اللَّعب : الإقدام على المُباحات ، وهذا يوصف به الإنسان ، كما رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لجابر : " هَلاَّ بِكْراً تُلاعِبُهَا وتُلاعِبُك " .
وقيل : كان لعبهم الاستباق ، والغرض منه : تعليم المحاربة ، والمقاتلة مع الكُفَّار ، ويدلُّ عليه قولهم : " إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتبِقُ " وإنما سمَّوه لعباً ؛ لأنه في صُورة اللَّعِب .
وأما من قرأ بالياءِ ، فقد أسند الفعل إليه دونهم ، فالمعنى : أنه يبصر رَعْي الإبلِ ؛ لتيدرَّب بذلك ، فمرَّة يرتع ، ومرَّة يلعب ؛ كفعل الصِّبيان .
ومن كسر العين ، اعتقد أنه جزم بحذف حرف العلَّة ، وجعلهُ مأخُوذاً من يفتعِل من الرَّعي ؛ كيَرْتَمِي من الرَّمْي ، ومن سكن العين ، واعتقد أنه جزم بحذق الحركة ، وجعلهُ مأخوذاً من : رَتَعَ يَرْتَعُ ، إذا اتَّسع في الخِصْب قال :
3058 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وإذَا يَحْلُولَهُ الحِمَى رَتَعْ
ومن سكَّن الباء جعلهُ مَجزُوماً ، ومن رفعها ، جعله مرفوعاً على الاستئناف ، أي : وهو يلعبُ ، ومن غاير بين الفعلين ، فقرأ بالباء من تحت في " يَلْعَب " دون " نَرْتَع " ؛ فلأن رَعْياً ، إذا أكلته فالارتعاء للمواشِي ، وأضافوه إلى أنفسهم ؛ لأنه السَّبب ، والمعنى : نرتع إبلنا ، فنسبُوا الارتعاء والقيام بحفظ المال إلى أنفسهم ؛ لأنهم بالغون .
ومن قرأ : " نُرْتع " رُباعياً ، جعل مفعُوله محذوفاً ، أي : يَرْعى مَواشينا ، ومن بناها للمفعول ، فالوجه : أنه أضمر المفعُول الذي لم يُسمَّ فاعله ، وهو ضمير الغدِ ، والأصل :
نُرْتَع فيه ، ونُلعَبُ فيه ، ثم اتسع فيه ؛ فحذف حرف الجرِّ ، فتعدى إليه الفعل بنفسه ، فصار نُرْتعه ونَلْعَبُه ، فلما بناهُ للمفعول ، قام الضمير المنصُوب مقام فاعله ، فانقلب مرفوعاً فاستتر في رافعه ، فهو في الاتِّساع كقوله : [ الطويل ]
3059 ويَوْمٍ شَهِدْنَا سَلِمياً وعَامِراً *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومن رفع الفعلين ، جعلهما حالين ، وتكون مقدَّرة ، وأمَّا إثبات الياء في " نَرْتَعي " مع جزم " يَلْعَب " وهي قراءة قنبل ، فقد تجرَّأ بعضُ النَّاس وردَّها .
وقال ابن عطيَّة : هي قراءة ضعيفةٌ لا تجوز إلا في الشِّعْر ، وقيل : هي لغة من يجز بالحركة المقدَّرة ، وأنشد :
3060 ألَمْ يَأتِيكَ والأنْبَاءُ تَنْمِي *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و " نَرْتَع " يحتمل أن يكون وزنه : " نَفْتَعِل من الرَّعْي وهي أكلُ المرعى ؛ كما تقدَّم ، ويكون على حذف مضاف ، أي : نرتع مواشينا ، أو من المراعاة للشيء ؛ قال : [ الخفيف ]
3061 تَرْتعِي السَّفحَ فالكَثِيبَ فَذا قَارِ *** فَروضَ القَطَا فَذاتَ الرِّئالِ
ويحتمل أن يكون وزنه " نَفْعَل " من رَتَعَ يَرْتَع : إذا أقام في خصب وسعة ، ومنهُ قول الغضبان بن القبعثرى : " القَيْدُ والرَّتعة وقِلَّة المَنعَة " ؛ وقال الشاعر : [ الوافر ]
3062 أكُفْراً بَعْدَ ردِّ المَوْتِ عَنِّي *** وبَعدَ عَطائِكَ المِائة الرِّتاعَا
قوله : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } جلمة حالية ، والعاملُ فيها أحد شيئين : إمَّا الأمر ، وإمَّا جوابه .
فإن قيل : هل يجوز أن تكون المسألة من الإعمال ؛ لأن كلاًّ من العاملين يصح تسلُّطه على الحال ؟ .
فالجواب : لا يجُوز ذلك ؛ لأنَّ الإمال يستلزم الإضمار ، والحالُ لا تضمر ؛ لأنَّها لا تكون إلا نكرةً ، أو مؤولةً بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.