المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ} (57)

57- ويجعلون لله ما يكرهون ، فيزعمون أن الملائكة بنات ، ويعبدونها ، تنزه الله عن ذلك ، ويجعلون لأنفسهم ما يحبون ، وهم الذكور من الأولاد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ} (57)

51

( ويجعلون لله البنات - سبحانه - ولهم ما يشتهون . وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ؟ ألا ساء ما يحكمون ! ) . .

إن الانحراف في العقيدة لا تقف آثاره عند حدود العقيدة ، بل يتمشى في أوضاع الحياة الاجتماعية وتقاليدها . فالعقيدة هي المحرك الأول للحياة ، سواء ظهرت أو كمنت . وهؤلاء عرب الجاهلية كانوا يزعمون أن لله بنات - هن الملائكة - على حين أنهم كانوا يكرهون لأنفسهم ولادة البنات ! فالبنات لله أما هم فيجعلون لأنفسهم ما يشتهون من الذكور ! .

وانحرافهم عن العقيدة الصحيحة سول لهم وأد البنات أو الإبقاء عليهن في الذل والهوان من المعاملة السيئة والنظرة الوضيعة . ذلك أنهم كانوا يخشون العار والفقر مع ولادة البنات . إذ البنات لا يقاتلن ولا يكسبن ؛ وقد يقعن في السبي عند الغارات فيجلبن العار ؛ أو يعشن كلا على أهليهن فيجلبن الفقر .

والعقيدة الصحيحة عصمة من هذا كله . إذ الرزق بيد الله يرزق الجميع ؛ ولا يصيب أحد إلا ما كتب له ؛ ثم إن الإنسان بجنسيه كريم على الله ، والأنثى - من حيث إنسانيتها - صنو الرجل وشطر نفسه كما يقرر الإسلام .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ} (57)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مّا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاُنْثَىَ ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : ومن جهل هؤلاء المشركين ، وخُبث فعلهم ، وقبح فِرْيتهم على ربهم ، أنهم يجعلون لمن خلقهم ودبّرهم وأنعم عليهم ، فاستوجب بنعمه عليهم الشكر ، واستحقّ عليهم الحمد ، البَنَاتِ ، ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه ، نزّه جلّ جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إليه ونسبوه من البنات ، فلم يرضوا بجهلهم ، إذ أضافوا إليه ما لا ينبغي إضافته إليه . ولا ينبغي أن يكون له من الولد ، أن يضيفوا إليه ما يشتهونه لأنفسهم ويحبونه لها ، ولكنهم أضافوا إليه ما يكرهونه لأنفسهم ، ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم . وفي «ما » التي في قوله : " ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ " ، وجهان من العربية : النصب عطفا لها على «البنات » ، فيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك : ويجعلون لله البنات ولهم البنين الذين يشتهون ، فتكون «ما » للبنين ، والرفع على أن الكلام مبتدأ من قوله : " ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ " فيكون معنى الكلام : ويجعلون لله البنات ولهم البنون .

وقوله : { وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بالأُنْثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا } ، يقول : وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات ، بولادة ما يضيفه إليه من ذلك له ، ظلّ وجهه مسودّا من كراهته له ، وَهُوَ كَظِيمٌ ، يقول : قد كَظَم الحزنَ ، وامتلأ غمّا بولادته له ، فهو لا يظهر ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { ويَجْعَلُونَ لِلّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ } ، ثم قال : { وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بالأُنثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ . . . إلى آخر الاَية ، يقول : يجعلون لله البنات ، ترضونهنّ لي ولا ترضونهنّ لأنفسكم ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا وُلد للرجل منهم جارية أمسكها على هون ، أو دسها في التراب وهي حية .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذَا بُشّرَ أحَدهُمْ بالأُنْثى ظَلّ وَجْهَهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ وهذا صنيع مشركي العرب ، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له ، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه ، ولعمري ما يدري أنه خير ، لرُبّ جارية خير لأهلها من غلام . وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه ، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : وَهُوَ كَظِيمٌ قال : حزين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : وَهُوَ كَظِيمٌ قال : الكظيم : الكميد .

وقد بيّنا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع .