التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ} (57)

قوله : { ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون } ( سبحانه ) ، اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه . وما ، في موضع رفع على الابتداء ، وخبره ( لهم ) مقدم{[2545]} .

لقد كانت بعض قبائل العرب تقول : الملائكة بنات الله . لا جرم أن هذه المقالة غاية الضلال والباطل . ولذلك قال : ( سبحانه ) ، وهذا تعجيب من جهلهم القبيح الفاضح ، وهو وصفهم الملائكة المقربين بالأنوثة ، فضلا عن تنزيه الله لذاته عن نسبة الولد إليه . وهو عز وعلا المنزه عن نقائص المخلوقين وضعفهم .

قوله : ( ولهم ما يشتهون ) ، وهم البنون ؛ فقد كان العرب تفيض نفوسهم رغبة في الذكور ، وفي مقابل ذلك تفيض عيافة للإناث . لقد كانوا يعافون البنات ويكرهون ولادتهن ومقدمهن . كانوا لفرط سفههم وضلال عقولهم وشدة ظلمهم يبتئسون أشد الابتئاس ، ويستشعرون في أنفسهم بالغ الجراحة إذا ما رزقوا البنات .

هكذا كان الجاهليون العرب يتصورون . وهو تصور خاطئ وظالم وأثيم ، يراود أذهانا خالطها الفساد والمرض في مجتمع جاهلي ظلوم .

أما ميزان الإسلام فيما توزن به اعتبارات الناس ومقاديرهم ، فإنها هي العقيدة الكريمة السمحة . العقيدة التي بنيت على الإيمان بالله وإفراده بالإلهية دون غيره من المخاليق . يضاف إلى ذلك مزية العلم ؛ فإنه في ميزان الإسلام عظيم القدر ، بالغ الأهمية ، ويعزز هذه الحقيقة من اعتبار الإيمان والعلم قوله تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .

وعلى هذين الاعتبارين ، وهما الإيمان والعلم ، تعرف مقادير الناس ، لتتحقق لهم الكرامات والاعتبارات . فأيما إنسان أتقى وأعلم ؛ فهو في ميزان الإسلام خير وأفضل . يستوي في ذلك الذكر والأنثى . ولا يغني الإنسان كونه ذكرا إذا أبطأ به عمله ، فكان غير ذي علم ولا تُقى . ماذا تغنيه ذكورته إذا جاء ربه يوم القيامة خاليا من الهداية والطاعة والعلم . لا جرم إذ ذاك أن يُقذف به ليكون في زمرة الخاسرين الأشقياء الذين يساقون إلى جهنم . لكن المرأة الكريمة الفضلى ذات العقيدة والخلق ، فإنها تستوجب التكريم والاحترام في هذه الدنيا . وهي يوم القيامة في زمرة الآمنين الفائزين ، وهي من أهل النجاء والجنة .


[2545]:- البيان لابن الأنباري جـ2 ص 79.