المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (123)

123- لا تعجب - أيها النبي - إذا رأيت أكابر المجرمين في مكة يدبرون الشر ويتفننون فيه ! . فكذلك الشأن في كل مدينة كبيرة يدبر الشر فيها الأكابر من المجرمين ، وعاقبته عليهم ، وهم لا يشعرون ولا يحسون بذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (123)

114

وبنفس الطريقة ، ولنفس الأسباب ، وعلى هذه القاعدة جعل الله في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها . . ليتم الابتلاء ؛ وينفذ القدر ؛ وتتحقق الحكمة ؛ ويمضي كل فيما هو ميسر له ، وينال كل جزاءه في نهاية المطاف :

( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ) .

إنها سنة جارية أن ينتدب في كل قرية - وهي المدينة الكبيرة والعاصمة - نفر من أكابر المجرمين فيها ، يقفون موقف العداء من دين الله . ذلك أن دين الله يبدأ من نقطة تجريد هؤلاء الأكابر من السلطان الذي يستطيلون به على الناس ، ومن الربوبية التي يتعبدون بها الناس ، ومن الحاكمية التي يستذلون بها الرقاب ، ويرد هذا كله إلى الله وحده . . رب الناس . . ملك الناس . . إله الناس . .

إنها سنة من أصل الفطرة . . أن يرسل الله رسله بالحق . . بهذا الحق الذي يجرد مدعي الألوهية من الألوهية والربوبية والحاكمية . فيجهر هؤلاء بالعداوة لدين الله ورسل الله . ثم يمكرون مكرهم في القرى ، ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً . ويتعاونون مع شياطين الجن في المعركة مع الحق والهدى ، وفي نشر الباطل والضلال ، واستخفاف الناس بهذا الكيد الظاهر والخافي . .

إنها سنة جارية . ومعركة محتومة . لأنها تقوم على أساس التناقض الكامل بين القاعدة الأولى في دين الله - وهي رد الحاكمية كلها لله - وبين أطماع المجرمين في القرى . بل بين وجودهم أصلاً . .

معركة لا مفر للنبي أن يخوضها ، فهو لا يملك أن يتقيها ، ولا مفر للمؤمنين بالنبي أن يخوضوها وأن يمضوا إلى النهاية فيها . . والله سبحانه يطمئن أولياءه . . إن كيد أكابر المجرمين - مهما ضخم واستطال - لا يحيق إلا بهم في نهاية المطاف . إن المؤمنين لا يخوضون المعركة وحدهم فالله وليهم فيها ، وهو حسبهم ، وهو يرد على الكائدين كيدهم :

( وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ) .

فليطمئن المؤمنون !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (123)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } .

يقول جلّ ثناؤه : وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون ، كذلك جعلنا بكلّ قرية عظماءها مجرميها ، يعني : أهل الشرك بالله والمعصية له لِيَمْكُرُوا فِيها بغرور من القول أو بباطل من الفعل بدين الله وأنبيائه . وَما يَمْكُرُونَ : أي ما يحيق مكرهم ذلك ، إلاّ بأنْفُسِهِمْ ، لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله . وهم لا يشعرون ، يقول : لا يدرون ما قد أعدّ الله لهم من أليم عذابه ، فهم في غيهم وعتوّهم على الله يتمادون .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أكابِرَ مُجْرِمِيها قال : عظماءها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : أكابِرَ مُجْرِمِيها قال : عظماءها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : نزلت في المستهزئين . قال ابن جريج : عن عمرو ، عن عطاء ، عن عكرمة : أكابِرَ مُجْرِمِيها . . . إلى قوله : بِمَا كانُوا يَمْكُرُونَ بدين الله وبنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين .

والأكابر : جمع أكبر ، كما الأفاضل : جمع أفضل . ولو قيل : هو جمع كبير ، فجمع أكابر ، لأنه قد يقال أكبر ، كما قيل : قُلْ هُلْ أُنَبّئُكُمْ بالأخْسَرِينَ أعَمالاً واحدهم الخاسر لكان صوابا . وحُكي عن العرب سماعا : الأكابرة والأصاغرة ، والأكابر والأصاغر بغير الهاء على نية النعت ، كما يقال : هو أفضل منك . وكذلك تفعل العرب بما جاء من النعوت على «أفعل » إذا أخرجوها إلى الأسماء ، مثل جمعهم الأحمر والأسود : الأحامر والأحامرة ، والأساود والأساودة ومنه قول الشاعر :

إنّ الأحامِرَةَ الثّلاثَةَ أهْلَكَتْ ***مالي وكنتُ بِهِنّ قِدْما مُولَعَا

الخَمْرُ واللّحْمُ السّمِينُ أُدِيمُهُ ***والزّعفرانُ فلَنْ أزالَ مُبَقّعَا

وأما المكر : فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالقدر ليورّطه الماكر به مكروها من الأمر .