محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (123)

[ 123 ] { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ( 123 ) } .

وقوله تعالى : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها } تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم . أي : كما جعلنا بمكة كبراء ليمكروا على أتباعهم في تزيين الباطل ، وستر الحق- جعلنا في كل قرية ، أرسلنا إليها الرسل ، أكابرها المجرمين ، متصفين بصفات / المذكورين ، مزينا لهم أعمالهم ، مصرين على الباطل ، مجادلين به الحق ، ليفعلوا المكر فيها على أتباعهم بالتلبيس ، ليتركوا متابعة الرسل .

قال ابن كثير : المراد ب ( المكر ) ههنا دعاؤهم إلى الضلالة بزخرف المقال والفعال ، كقوله تعالى إخبارا عن قوم نوح : { ومكروا مكرا كبارا }{[3673]} ، وكقوله تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ، قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم ، بل كنتم مجرمين ، وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا . . . } {[3674]} الآية .

وقال الزمخشري : خص الأكابر لأنهم هم الحاملون على الضلال ، والماكرون بالناس ، كقوله : { أمرنا مترفيها }{[3675]} .

{ وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون } أي : ما يضرون بمكرهم إلا أنفسهم/ لأن وباله يحيق بهم ، كما قال تعالى : { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم }{[3676]} . وقال : / { ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ، ألا ساء ما يزرون }{[3677]} . قال الزمخشري : هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقديم موعد بالنصرة عليهم .


[3673]:- [71/ نوح 22].
[3674]:- [34/ سبأ/ 31- 33] ونصها: {وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه... وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (33)}.
[3675]:- [17/ الإسراء/ 16] ونصها: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا (16)}.
[3676]:- [29/ العنكبوت/ 13/] {... وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون (13)}.
[3677]:- [16/ النحل/ 25] {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة...}.