فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (123)

{ وكذلك } أي مثل ذلك الجعل بمكة { جعلنا في كل قرية أكابر } الأكابر جمع أكبر وقيل هم الرؤساء والعظماء وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد والغدر وترويج الباطل بين الناس من غيرهم ، وإنما حصل ذلك لأجل رياستهم ، وذلك سنة الله أنه جعل في كل قرية أتباع الرسل ضعفاءها وجعل فساقها أكابر { مجرميها } قال الواحدي في الآية تقديم وتأخير أي مجرميها أكابر ، وإنما جعل المجرمين أكابر لأن ما فيهم من السعة أدعى لهم إلى المكر والكفر .

{ ليمكروا فيها } بالصد عن الإيمان ، واللام على ظاهرها أو للعاقبة أو للعلة مجازا ، قال أبو عبيدة : المكر الخديعة والغدر والحلية والفجور ، وزاد بعضهم الغيبة والنميمة والأيمان الكاذبة وترويج الباطل ، قال ابن عباس : ليقولوا فيها الكذب ، عن عكرمة قال : نزلت في المستهزئين ، وقيل المعنى ليتجبروا على الناس فيها ويعملوا بالمعاصي ، دليله { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } .

{ وما يمكرون إلا أنفسهم } المكر الحيلة في مخالفة الاستقامة وأصله الفتل ، فالماكر يفتل عن الاستقامة أي يصرف عنها أي ما يحيق هذا المكر إلا بهم لأن وبال مكرهم عائد عليهم { وما يشعرون } بذلك لفرط جهلهم .