الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (123)

{ وَجَعَلْنَا } ، في هذه الآية : بمعنى صَيَّرنا ، فهي تتعدى إلى مفعولَيْن ، الأول : { مُجْرِمِيهَا } ، والثاني : { أكابر } ، وفي الكلام ، على هذا : تقديمٌ وتأخير ، وتقديره : وكذلك جعلنا في كلِّ قريةٍ مجرميها أَكَابِرَ ، وقدَّم الأهمَّ ، إذ لعلَّة كِبْرهم أجرموا ، ويصح أن يكون المفعولُ الأول : «أكابر » ، و«مجرميها » ، مضافٌ ، والمفعولُ الثانيِ : في قوله : { فِي كُلِّ قَرْيَةٍ } ، و{ لِيَمْكُرُواْ } : نصب بلامِ الصيرورةِ ، والأكابر : جمع أكْبَر ، كما الأفاضلُ جمع أفْضَل ، قال الفَخْر : وإنما جعل المجرمين أكابر ، لأنهم لأجل رياستهم أقْدَرُ على الغَدْرِ والمَكْرِ ورُكُوبِ الباطلِ من غيرهم ، ولأن كثرة المال والجاه يَحْمِلاَنِ الإنسان على المبالغةِ في حِفْظهما ، وذلك الحِفْظُ لا يتمُّ إلا بجميع الأخلاق الذميمةِ ، كالغَدْر والمَكْر والكَذِب والغِيبة ، والنَّميمة ، والأَيْمَان الكاذبة ، ولو لم يكن للمالِ والجاهِ سوى أنَّ اللَّه تعالى حَكَم بأنه إنما وصفَ بهذه الأوصافِ الذميمةِ مَنْ كان له مالٌ وجاه ، لكفى ذلك دليلاً على خَسَاسة المالِ والجَاهِ ، انتهى . وما ذكره في المال والجاه هو الأغلَبُ .

{ وما يَشْعُرُونَ } ، أي : ما يعلمون .