تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (123)

الآية 123 وقوله تعالى : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها } أي جعل في كل قرية من أهل الكفر أكابر مجرميها وعظمائها كما جعل في قريتك أكابر مجرميها . يصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ليعلم أنه ليس بمخصوص هو بهذا دون غيره من الأنبياء .

ثم اختلف في قوله تعالى : { جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها } وقد ذكرنا أقاويلهم في قوله تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا } [ الأنعام : 112 ] .

ثم قوله تعالى : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها } قالت المعتزلة : لم يجعل الأكابر فيها ليمكروا فيها . ولكن لما وسع الدنيا ، وبسطها عليهم مكروا فيها . وكذلك قالوا في قوله تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس } [ الأعراف : 179 ] لا يجوز أن يخلقهم [ لجهنم ]{[7730]} ولكن لما عملوا أعمال الكفر والضلال صاروا لجهنم .

وقالوا : هو على الإضمار كأنه قال : وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها لئلا يمكروا ، لكنهم مكروا فيها لما ذكرنا .

لكن قوله تعالى : { جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا } ليكون أدعى وأظهر للحجج ، لأنه لو كان بعث الرسل أكابر لكان الناس يتبعون الأكابر ، وإن لم يأتوا بالحجج ، وغيرهم لا يتبعون إلا بالحجج .

ومنهم من يقطع قوله تعالى : { ليمكروا فيها } عن قوله تعالى : { جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } ؛ يقول : معناه { جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } أكابر ثم قال : { ليمكروا فيها } أي ما جعل ذلك لهم ليمكروا .

ومنهم من يقول : هو إخبار [ عما ]{[7731]} إليه صار أمرهم كقوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } [ القصص : 8 ] وهم لم يلتقطوه { ليكون لهم عدوا وحزنا } إنما التقطوه ليكون لهم وليا ، لكنه لما صار في العاقبة عدوا لهم ؛ أخبر عما آل إليه أمره . فعلى ذلك قوله تعالى : { ليمكروا فيها } أخبر عما إليه صاروا ، من المكر .

وعندنا لا يخلو هذا ، إما أن يقال : إنه يخلقهم لغير المكر والضلال ، وهو يعلم ألا يكونوا لما يخلقهم ، فذلك ليس فعل حكيم أن يعمل عملا يعلم أنه لا يكون ؛ نحو من يبني بناء يعلم أنه لا يسكن ، أو يقصد قصد موضع يعلم أنه لا يصل إليه ؛ فهو بالقصد عابث ، ليس بحكيم فعلى ذلك الله ، سبحانه ، لا يجوز أن يخلقهم للهدى والعبادة له مع علمه أنهم لا يكونون لما يخلقهم ، وإما{[7732]} أن يخلقهم لذلك ، وهو لا يعلم أنهم يكونون كذلك ، فهو جهل بالعواقب ؛ فالله يتعالى عن ذلك ، فدل أنه خلقهم ليكونوا على ما علم أنم يكونون ، ويختارون ذلك ، وقوله تعالى : { ليكون لهم عدوا وحزنا } [ القصص : 8 ] كان عند الله أنهم يلتقطونه ليكون لهم عدوا .

وقوله تعالى : { وما يمكرون إلا بأنفسهم } أي ما يشعرون أن عاقبة مكرهم ترجع إليهم ، [ وهو ]{[7733]} واقع بهم . وأصله أن الله تعالى جعلهم ، وخلقهم ، على ما علمن منهم أنهم يختارون ، ويكون منهم ذلك .


[7730]:- ساقطة من الأصل وم .
[7731]:- ساقطة من الأصل وم.
[7732]:-في الأصل وم: أو.
[7733]:- في الأصل وم: و.