المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (136)

136- أولئك المتصفون بهذه الصفات أجرهم مغفرة عظيمة من ربهم مالك أمرهم ، وجنات تجري الأنهار بين أشجارها لا يبرحونها . ونعم ذلك ثوابا للعاملين بأمر اللَّه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (136)

121

. . . هؤلاء المتقون ما لهم ؟

( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها . ونعم أجر العاملين ) . .

فهم ليسوا سلبيين بالاستغفار من المعصية . كما أنهم ليسوا سلبيين بالإنفاق في السراء والضراء ، وكظم الغيظ والعفو عن الناس . . إنما هم عاملون . ( ونعم أجر العاملين ) المغفرة من ربهم ، والجنة تجري من تحتها الأنهار بعد المغفرة وحب الله . . فهنالك عمل في أغوار النفس ، وهنالك عمل في ظاهر الحياة . وكلاهما عمل ، وكلاهما حركة ، وكلاهما نماء .

وهنالك الصلة بين هذه السمات كلها وبين معركة الميدان التي يتعقبها السياق . . وكما أن للنظام الربوي - أو النظام التعاوني - أثره في حياة الجماعة المسلمة وعلاقته بالمعركة في الميدان ، فكذلك لهذه السمات النفسية والجماعية أثرها الذي أشرنا إليه في مطلع الحديث . . فالانتصار على الشح ، والانتصار على الغيظ ، والانتصار على الخطيئة ، والرجعة إلى الله وطلب مغفرته ورضاه . . كلها ضرورية للانتصار على الأعداء في المعركة . وهم إنما كانوا أعداء لأنهم يمثلون الشح والهوى والخطيئة والتبجح ! وهم إنما كانوا أعداء لأنهم لا يخضعون ذواتهم وشهواتهم ونظام حياتهم لله ومنهجه وشريعته . ففي هذا تكون العداوة ، وفي هذا تكون المعركة ، وفي هذا يكون الجهاد . وليس هنالك أسباب أخرى يعادي فيها المسلم ويعارك ويجاهد . فهو إنما يعادي لله ، ويعارك لله ، ويجاهد لله ! فالصلة وثيقة بين هذه التوجيهات كلها وبين استعراض المعركة في هذا السياق . . كما أن الصلة وثيقة بينها وبين الملابسات الخاصة التي صاحبت هذه المعركة . من مخالفة عن أمر رسول الله [ ص ] ومن طمع في الغنيمة نشأت عنه المخالفة . ومن اعتزاز بالذات والهوى نشأ عنه تخلف عبد الله ابن أبي ومن معه . ومن ضعف بالذنب نشأ عنه تولي من تولى - كما سيرد في السياق - ومن غبش في التصور نشأ عنه عدم رد الأمور إلى الله ، وسؤال بعضهم : ( هل لنا من الأمر من شيء ) ؟ وقول بعضهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا . .

والقرآن يتناول هذه الملابسات كلها ، واحدة واحدة ، فيجلوها ، ويقرر الحقائق فيها ، ويلمس النفوس لمسات موحية تستجيشها وتحييها . . على هذا النحو الفريد الذي نرى نماذج منه في هذا السياق .

/خ179